من العدد الورقى
اعتدنا أن نختزل صور الأبطال والعظماء فى ساعات المواجهة، أو زمن التميز فقط ، حين تكتب أسماءهم بالخطوط العريضة ويصبح عطاءهم حكاية تميز وتفرد عن سواهم من أقرانهم حتى وإن كانت الأحداث هى التى منحتهم شرف التميز دون جهد منهم.
لكننا لم ندرك تفاصيل ما دون الخطوط العريضة والعناوين البراقة حتى وإن كان العطاء والتضحية بالنفس كما هو الحال مع الشهداء الأبرار، وقهر المستحيل، وصياغة ثوابت جديدة فى التسلح بالعزيمة والإصرار كما هو حال الأبطال.
وتزامنا مع ذكرى حرب أكتوبر المجيدة يستعرض الإعلام آلاف الحكايات عن شهداء جادوا بدمائهم الذكية وأبطال عادوا حاملين رايات النصر والفخر، وكتب لهم أن يشهدوا ثمرة تضحيتهم فى الدنيا.
وبين تلك الحكايات تفاصيل من الألم خلفتها أحداث البطولة وكرامة الاستشهاد، فقد أبرز مسلسل "الاختيار" عددا من تلك التفاصيل الموجعة فى ثنايا روايات الأبطال الذين تصدروا مشاهد البطولة أحياءً وأمواتًا.
آلام اليتامى، وصرخات الثكالى من الأرامل والأهل ليست كلها تفاصيل الحكاية، وإنما هى فقط ذروة الصدمة التى تهون يوما ما وتخف وطاة آلامها، ولا يبقى منها سوى مواطن الفخر، فخلف كل بطل وشهيد حكايات تروى، وقصص تغنى من التضحية والفداء، مضافًا إليها ألم الفراق ولوعة الحرمان.
تلك المعادلة التى تهون معها آلامنا الجسام ويتبدد حزننا على من فقدنا من شهداء فهم ضريبة الأمن والحرية، وإن تركوا جراحًا غائرة فى قلوب ذويهم ومحبيهم حين ارتقوا شهداء على أيدى خونة تسللوا إليهم فى جنح الظلام، واندسوا خلسة فى الزحام لتنفيذ مآربهم بعدما افقدهم الجبن شرف المواجهة والتحدى استنادًا إلى خطأ معتقدهم، وانعدام حجتهم، وضلال مسعاهم
ولعل ما أوردته الدراما التاريخية من تفاصيل وثائقية قد أماطت اللثام عن كثير من من خفايا الأحداث التى مرت بنا وشهدت الكثير من اللغط والجدل، فقد ساهمت هذه الأعمال ومن بينها مسلسل الاختيار فى فضح روايات الخونة فضحًا موثقا من العديد من الجهات المعنية، فما كان أكثرنا يدرك حجم الجهد المبذول من رجال الأمن والجيش، ولا أدركنا حجم المؤامرة وتكلفتها وضريبتها ومن يقف خلفها لولا هذه الأعمال التى سردت بعضا من التفاصيل الغائبة عن البعض، وكلنا نثق أن ما أعلن ليس إلا بعضًا من كل، وأن لدى السلطات ما هو أشد وأنكى وأن ما خفى أعظم.
محمود سليمان