د. معتز محي عبد الحميد
في كل عام وفي يوم 12 كانون الاول بالتحديد ، تحيي جمهورية أذربيجان حكومة وشعبا ذكرى رحيل زعيم الشعب الأذربيجاني الراحل حيدرعلييف، وبهذه المناسبة يتم تنظيم مراسم تذكارية في جميع المدن والمناطق في جمهورية أذربيجان الصديقة . حيث يقوم ممثلوا الهيئات الحكومية والأحزاب السياسية والمنظمات الحكومية والغير الحكومية، بزيارة قبر الرئيس الراحل حيدرعلييف لوضع اكاليل من الزهور ، وتقام ايضا في كافة السفارات الأذربيجانية في جميع أنحاء العالم مع جمعيات ومنظمات المجتمع المدني الاذربيجاني والعربي والعالمي ، مراسم تأبين بهذه المناسبة الحزينة. حيث ان إحياء ذكرى الزعيم الراحل حيدر علييف إنما يؤكد تواصل مشاعر المحبة والانتماء والولاء لهذه الشخصية الوطنية الكبيرة ومكانتةُ الوطنيَّةً والدولية لدى الشعب الاذربيجاني ولدى اصدقاء الشعب والحكومة الاذربيجانية في جميع دول العالم .
حياة الزعيم الراحل تحتاج إلى موسوعة كاملة لكتابتها وتوثيقها، فكل جانب من جوانب حياته وسيرته الحافلة بالعطاء بمثابة إرث وطني ومفخرة للشعب الأذربيجاني الشقيق، لانه صنع التاريخ المعاصر لأذربيجان.
اذربيجان وتخليد القادة العظام
جمهورية أذربيجان ، الجزء العزيز من عالمنا الإسلامي ، لا يُستثني من الظاهرة التاريخية في تخليد القادة العظام ، فتلك الدولة شأنها كشأن الدول ذات الحضارة العريقة ، مرت بفترات وعهود من الازدهار والانكسار ، فمنذ فجر التاريخ وهذا الجزء من أرض القوقاز ، استطاع أن يسجل في صفحات التاريخ أسماء قيادات حملت علي عاتقها قيادة شعبها إلي التقدم والرقي والازدهار .
وفي العصر الحديث ومنذ تأسيس جمهورية أذربيجان الشعبية كأول جمهورية ديمقراطية في الشرق في 28 ايار 1918 ، مرت أذربيجان بالكثير من المحن والشدائد ، نظراً لأطماع القوي الدولية المحيطة بها ، وتأمرها علي تلك الدولة الوليدة ، التي لم يدم استقلالها أكثر من ثلاث وعشرين شهراً ، حتي كانت جحافل القوات السوفيتية الشيوعية قد قضت علي أحلام الجمهورية الناشئة علي ركام الحضارة والتاريخ لدولة " ألبان القوقاز " ، وتحت وطأة وقسوة الحكم السوفيتي الشيوعي الذي استمر لأكثر من سبعين عاما ، خرج زعيم أذربيجان القومي " حيدر علييف " ليقود أبناء وطنه نحو الحرية والاستقلال واستعادة عملية البناء والنهضة نحو التقدم والازدهار .
حياتة السياسية حافلة بالانجازات
ولد حيدر علي رضا أوغلو علييف في مدينة ناختشيوان ذات الحكم الذاتي بجمهورية أذربيجان في 10 ايار عام 1923 ، وتخرج من كلية المعلمين في ناخنشيوان عام 1939 ، ثم درس في كلية العمارة لمعهد أذربيجان الصناعي ، الذي تحول إلي " أكاديمية النفط الحكومية الأذربيجانية " حالياً ، ولكنه لم يتمكن من استكمال دراسته نظراً لإندلاع الحرب العالمية الثانية
بدأ حيدر علييف حياته السياسية في عام 1941 ، حيث شغل منصب مدير القسم في مفوضية الشعب بجمهورية ناختشيوان الاشتراكية السوفييتية ذات الحكم الذاتي ، ثم أُرسل للعمل في هيئات أمن الدولة عام 1944 ، وأصبح حيدر علييف الذي كان يعمل في نظام هيئات الأمن منذ ذلك الوقت نائبا لرئيس اللجنة الدولة للأمن لدى مجلس الوزراء بجمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفييتية عام 1964 ، ورئيسا لهذه اللجنة عام 1967 ، وفي سنة 1957 تخرج في كلية التاريخ بجامعة أذربيجان الحكومية .
أصبح حيدر علييف قائدا لجمهورية أذربيجان بعد انتخابه الأمين الأول للجنة المركزية للحزب الشيوعي تموز عام 1969 ، وبعد انتخابه عضوا للمكتب السياسي في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي للاتحاد السوفييتي في كانون الاول عام 1982 ، عُين نائبا أول لرئيس مجلس الوزراء للاتحاد السوفييتي في موسكو ، وظل به خمس سنوات ، إلا أنه استقال في تشرين الاول عام 1987 من مناصبه بعد أن أصبح معارضا للسياسة التي يقودها المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي للاتحاد السوفييتي برئاسة ميخائيل جورباشوف .
وبعد انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي عاد علييف في تموز 1990 عاد من موسكو للعيش في باكو ، ثم في ناختشيوان ، وانتخب في السنة نفسها نائبا لمجلس السوفييت الأعلى لأذربيجان ، وأصبح رئيسا للمجلس الأعلى لجمهورية ناختشيوان ذات الحكم الذاتي ونائبا لرئيس السوفييت الأعلى لجمهورية أذربيجان خلال أعوام 1991 - 1993 ، وانتخب زعيما لحزب " أذربيجان الجديدة " في مؤتمر تأسيسه الذي عقد في مدينة ناختشيوان عام 1992 ، وفي 15 حزيران 1993 انتخب رئيسا للسوفييت الأعلى لأذربيجان ، فبدأ في ممارسة صلاحيات رئيس جمهورية أذربيجان وفقا لقرار المجلس الوطني في 24 تموز ، وفي 3 تشرين الاول 1993 انتخب علييف رئيسا لجمهورية أذربيجان بنسبة 76.1 بالمائة من الأصوات ، وفي انتخابات 11 تشرين الاول 1998 حصل علي أغلبية ساحقة .
انتعاش الحياة الاقتصادية
جاء حيدر علييف إلى ناختشيوان وقام بفتح الحدود مع الدول المجاورة ، فانتعشت الحالة الاقتصادية ومن ثم فقد بدأ الشعب يشعر بالحرية والعزة والكرامة بعد أن كان يعاني الأزمات الإقتصادية والبطالة ، وفي باكو كانت الأحداث تتداعى بسرعة إلى الأسواء ، بسبب الخلاف السياسي المحتدم ، مما دفع الشعب في باكو إلى الاستغاثة به لكي يخلصهم من كل ما يحيط بهم من أخطار تنذر بالتفكك والانهيار ، فاستطاع توحيد البلاد واسترداد بعض الأراضي التي احتلتها أرمنيا ، ولكنه نظرا للظروف الإقتصادية الصعبة ، والظروف الدولية المحيطة لم يستطع أن يكمل تحرير بقية الأراضي المغتصبة ، واضطر إلى توقيع اتفاقية لوقف إطلاق النار مع أرمنيا ، ومن ثم بدأ في إعادة تنظيم الجيش وبناء الدولة في كل قطاعاتها حتى يتمكن من استرداد الأراضي المحتلة وانضمت أذربيجان في عام 1992 إلى الأمم المتحدة ، التي أصدرت أربعة قرارات تقضي بضرورة انسحاب أرمنيا من أراضي أذربيجان المحتلة ، ولكنها لم تجد استجابة من قبل المحتل الأرمني.
أعلن حيدر علييف أنه إذا لم تنسحب أرمنيا من أراضي أذربيجان التي اغتصبتها فإننا لن نجد أمامنا خيارا إلا القوة ، ، وخاصة أن اتفاقية وقف إطلاق النار التي وقعتها أذربيجان مع أرمنيا اقتضتها ضرورة اقتصادية مهمة وهي جذب للاستثمارات الأجنبية وخاصة في مجال النتقيب عن النفط لإنعاش الحالة الاقتصادية في البلاد وكان هذا سبيلا إلى حل كثير من مشكلات البطالة والخدمات الصحية التعليمية وغيرها ومن ثم بدأت أذربيجان تدخل في عصر النهضة الحديثة لكي تلحق بركب الحضارة والتقدم .
علاقات متميزة مع جميع دول العالم
أقام حيدر علييف علاقات قوية مع دول العالم المختلفة بعد أن أصبحت أذربيجان دولة حرة مستقلة وقد كان حريصا على أن يعرض مشكلات بلاده في المحافل الدولية وأن يكسب تأييد دول العالم الحرة له خصوصا بالنسبة لقضية " قره باغ " ، وأعاد بلاده إلي انتماءها الإسلامي بعدما ظلت طوال الحقبة السوفيتية بعيدة عن تلك الدائرة التي ينتمي شعبه إليها ، وبدأ التعاون المتبادل وبناء العلاقات الثقافية والسياسية والاقتصادية مع الدول الإسلامية.
اعداد جيش قوي
اهتم علييف بإعداد جيش قوي يحفظ لأذربيجان قوتها ويصون أراضيها ويدافع عن حقوقها ويسترد أراضيها ، ولذلك فقد كان حريصا على أن يعلن إلى شعبه أن أذربيجان تحتاج إلى جيش قوي يدافع عن قضيتها العادلة في استرداد أراضيها ، حتي يعرف كل مواطن حقوقه وواجباته الوطنية والإحساس بالانتماء إلى هذه الأرض ، حتي أصبح جيش أذربيجان في مقدمة جيوش القوقاز قوة وتطورا .
كان حيدر علييف يؤمن بأن العلم هو السبيل الوحيد للنهضة والتقدم ، ولذلك كان يقول " شعب غير مثقف لن يستطع أن ينجح في الحياة " فعمل علي تطوير بلاده من خلال المؤسسات التعليمية المختلفة في كافة المجالات ، وحرص علي إعداد الكوادر الوطنية ذات الكفاءة العالية في مجالات التعليم والصحة والثقافة والاجتماع والعلوم واهتم بصفة خاصة بميدان البحث العلمي الذي يعد أساسا لنهضة المجتمع وتطور البلاد .
رحل الزعيم حيدر علييف في 12 كانون الاول 2003 ، بعد أن وضع أذربيجان على الطريق نحو تحقيق آمال الشعب في الحرية والرفاهية والازدهار ، فالإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية الثابتة ، والإدارة الفعالة والسياسة الخارجية النشطة ، قد جعلت من أذربيجان قائداً إقليميا وشريكا قويا موثوقا به في العلاقات الدولية ، هكذا ينهض القادة بأوطانهم ، وتسجل أسماءهم في سجلات تاريخها المجيد ، ويتذكر الأجيال سيرة أبطالها وقادتها ليستلهموا الهمة والعزيمة علي مواصلة المسير نحو التقدم والرقي والازدهار .
بقلم د. معتز محي عبد الحميد
كاتب متخصص في شؤون اذربيجان