يوميات من قريتنا الحبيبة " أبو سكين " /
السعيد عبد العاطي مبارك الفايد - مصر
==============
((( ليلة تسريرة العروس - هديتنا للعروسة و نحن تلاميذ صغار - تعقيد وربط و تشبيك طرح الأمهات - لنزة عمك حميدة كريم هيسة - طيارة الأسطى حسين )))
هذه بعض ذكرياتنا من يوميات قريتنا الحبيبة " أبو سكين " نرويها للأجيال كي يكون فيها تواصل بين القديم و الحديث في أصالة هكذا ٠٠
* ليلة تسريرة العروس :
------------------------------
نتذكر تسريرة العروسة حيث تجلس في ليلة الحنة بفستان أخضر نايلون شفاف تحته تلبيسة قميص قماش فاتح ٠٠
و في ليلة التسريرة تجلس في ( الكوشة ) و هى عبارة عن كنبة عليها كرسي خيزران و خلفها ملاءة سادة منصوبة بين جريدتين من سعف النخل الأخضر معلق بها بلونات ملونة ٠٠
و بجوارها تقف ( الماشطة ) تزينها وتظبطها طول الوقت تعمل لها خصلة شعر على القورة و ميال به بنس شعر على جنب متدلي إلى نهاية الاُذن و برنيطة مثل الشمسية على الرأس به ورود ملونة من الورق و تلبس فستان نايلون ماء بطيخي مثل الموف و في يديها شنطة ٠٠
حيث يلتفون حولها المداعي و الأقارب يغنون أغاني شعبية وبدوية و يدقون على الطشت و يزرغدون ٠٠
و من خلفهن تقف قريبة العروس و على رأسها طاجن بيه نار و شبة و ملح ٠٠
و في وسطها حزام من لوية القش المفتلو و معها ملح كل فترة ترش الملح على رؤوس الناس لمنع العين و الحسد ٠
و يقوم الناس بتقديم ( النقطة ) للعروسة و هى جالسة في الكوشة ٠
ثم تنزل من على المنصة تغير الفستان و تستريح نصف ساعة ثم تبدل الفستان و تجلس مرة أخرى تنتظر العريس كي يلم الصدر ٠٠
و يأتي العريس و معه أصحابه وسط نور الكلوب الذي يحمله فرد من القادمين ٠
و هو يلبس بالطو صوف تفصيل يشتريه أو يستلفه من بعض الأصدقاء بمثابة البدلة اليوم ٠
و معه خيط يعلق فيه قطع نقود ورقية فئة العشرين جنية و العشرة جنية حوالي عشرة قطع و يطوق صدرها مثل القلادة بجوار هنانية و أمجار من الذهب المدور و يسمى هذا ( لمة صدر العروسة ) هدية نقدية ٠
* هديتنا للعروسة و نحن تلاميذ صغار :
------------------------
و كنا نأتي بعد لعب الكرة عصرا و نتجمع و نفكر بقص رسومات الفلوس المصورة في كتاب المدرسة لمادة الحساب الورقية فئة خمسة قروش و عشرة قروش و ربع جنية ورق و نصف جنية و جنية و خمسة جنية و عشرة جنية ثم نقصها و نشتري عدة أظرف جوابات و نضع فيها هذه الفلوس المصورة من الكتاب و على ظهرها كتابات ٠٠
و كل واحد يصعد يسلم العروسة ظرف و تضعه في شنطة اليد على اساس نقطة بصحيح مثل الكبار وذلك في جزء التسريرة الأولى
و حينما تنزل تغير الملابس يفتحون الشنطة يجيدون الفلوس ورق من كتاب الحساب فيتربصون بنا ٠٠
و نريد أن نكرر النقطة مرة ثانية في الجزء الثاني من التسريرة - بتصرف منا غبي - فيقومون بمطاردتنا بالعصا من الحطب لأننا خدعناهم وضحكنا عليهم ٠٠
* تعقيد وربط و تشبيك طرح الأمهات :
----------------------------
تتجمع أمهاتنا الكبار يلبسن (طرحة سمراء طويلة ) ٠
و أخواتنا البنات يلبسن ( غطفة سوداء مثل الخمار )
فنتسلل خلسة بين الأمهات بتعقيد وربط طرف الطرح في بعضها فعندما تريد الواحدة ان تتحرك يمنة أو يسرة ، تنفك الطرحة وتسقط من على رأسها فينكشف شعرها الأبيض ٠٠
فتقول:
( يا دي الفضايح يا ولاد ٠٠ !! )
ونحن نضحك ونقول :
ابن فلان الذي شبك الطرح في بعضها ٠
*طيارة الأسطى حسين :
------------------------------
كان الأسطى حسين مكانيكي من قرية الكراكات مركز بيلا يسكن في منزل عمك الشيخ الدهراوي ٠٠
و كان يصنع قطع الغيار البدائية ويصلح الجرارات الزراعية الروسي و ماكينة الطحين مقابل كيلة أرز شعير ٠٠
و عنده فيسبة صغيرة أقدم موديل تسمع فرقعة صوتها مثل الطائرة النفاسة في الجو ٠٠
وطول اليوم و الليل مشغول بقطع الحديد يخترع و يبتكر ويحل و يركب ولا يكلف أصحابها عناءً قط ٠
و قد صنع طائرة ورقية و زينها و ركب لها بطارية حجر طُرش و عمل لها نور وطيرها في أعماق السماء و نحن من حوله نجلس في جرن عمي حميده أبو كريم هيسة - وهو ابن عمتي - و صاحب ماكينة ري و لنزة و عنده أراضي زراعية و كان عمي الأسطى حسين الأسطى الخصوصي له ، بل و الخبير المكانيكي لشؤونه حيث يوفر له كافة الإصلاحات ٠٠
و عندما طارت طيارة الأسطى حسين ظهرت في كبد السماء ليلا و كأنها " قمر صناعي " أو نجم جديد أبهر الناظرين و كنا ساعتئذ بعد حرب ٦٧ أبان حرب الاستنزاف مما شكل ضوء طيارة الأسطى حسين خطرا على رادارات القوات المسلحة حيث كانت توجد قاعدة عسكرية في قرية ٧ و قرية ٨ المعمورة تحت قيادة العقيد حسن القصاص و كان من برج البرلس و أيضا تم رصدها من قاعدة القربة بخاشعة بلطيم البرلس و كتيبة صهريج أبو سكين العسكرية تضع منظار أعلى الصهريج خوفا من استهدافه و كان بمثابة نقطة برج ملاحظة عالية ، و تجمعوا القادة العسكريين ذات مرة و أتوا جرن عمي حميدة كريم كي يبحثوا هذه الظاهرة المرصودة و تجمعنا من حولهم واسقطوها وحذروه أن يعود تارة أخرى ٠٠
و من ثم لم نعد نشاهدها ليلا او نهارا ٠٠
واخذنا نعمل طيارات ورقية صغيرة في النهار مثل طيارة الأسطى حسين تقليدا ٠
* لنزة عمك حميدة كريم هيسة:
-----------------------------
و اللنزة شبه الجرار الزراعي أبر قباقيب حديد و كان الأسطى حسين يفكها في طشوت نحاسيةو يغسلها بالجاز و يركبها و يدورها بشد الحبل ٠٠
وكانت مزعجة ترج الأرض مثل الدبابة ٠٠
و كانت الأمهات تقول : بتبوظ رقد البيض و تموت الكتاكيت و البط من شدة الهز ٠٠
كنا نذهب نشاهدها و هى تدخن و ترعد منظر مرعب ٠٠
حتى صارت مثل نقول : على كل واحد ضخم أو دمه واقف ٠٠ عامل زي لنزة عمك حميدة أبو كريم ما يفهمهوش إلا الأسطى حسين من باب المداعبة و التفكه ٠
و لا يستطيع أحد أن يدورها و يصلحها إلا عمك الأسطى حسين العبقري ٠
و ظل عمك حسين يمارس صناعته وهوايته وهو جالسا بعد أن تقدم به السن ٠
ثم غادر القرية إلى مسقط رأسه ورحل وذهب الكثير من عارفي فضله في العزاء و بعد موته بعدة سنوات لم تستطع زوجته وأسرته فراق قريتنا (عيش و ملح )فرجعوا مرة أخرى و سكنوا معنا في حب وسط الحارة التي تربوا فيها من قبل ٠٠
هذه فصول من يوميات قريتنا الحبيبة أبو سكين ٠
٠٠٠٠٠
هذه كانت بعض الذكريات التي تظل عالقة في الذكراة ٠٠
مع الوعد بذكريات تواكب شهر رمضان إن شاء الله