هجم النت مثل ذئب علينا فارتمينا قتلى على نعليه، وقطعنا صلاتنا واقتنعنا أن مجد الغرب فى خصيتيه، لا أجدنى مبالغًا إن أسقطت تلك الكلمات التى نطق بها الشاعر الكبير نزار قبانى فى مراحل محورية وفارقة من التاريخ العربى، على واقع الحال الذى تعيشه المنطقة العربية اليوم، بعد ان أصبحت الميديا هى التى تدير دفة الحياة اليوم عندما باتت هواتفنا وتطبيقاتها المختلفة هى مصدر معرفتنا وثقافتنا، وأضحت أيضا متنفسًا لأحاسيسنا، وسلاحًا للحرب المعلوماتية يديره كل منا على هواه، ووفقًا لمصالحه، وسوقًا للبيع والشراء والخداع والنصب أحيانًا، وكلها استخدامات محتملة لثقافات تفتقد للعمق المعرفى، مع تسليمنا بأهمية الميديا ودورها فى خدمة الإنسان.
الميديا التى باتت سلاحًا تحت أيدينا، ونوافذ تواصل حققت الكثير من المنافع البشرية وأفرزت فى المقابل جانبًا سلبيًا تمثل فى سوء الاستخدام، واستحوذت على اهتمامنا حتى بلغت حد الإدمان.
وأصبح واقع الحال ينذر بالخطر بعد أن نبهت الأبحاث إلى ارتفاعات محتملة فى نسب الإصابة بانحناءات الظهر، والعنق والتأثير البصرى الشديد وتأثير بالغ على القدرات الذهنية بسبب كثرة التعرض للموجات الكهربائية والكهرومغناطيسية ، وارتفاع نسب السمنة التى ستكون تأثيرات لها صحية مضافة إلى تأثيرات وأمراض العصر المعروفة، ومبعث الخطر الأكبر سيكون على الأطفال الذين فطموا من ثدى أمهاتهم على الهواتف الذكية، واستبدلت هدايا الاطفال ولعبهم الحركية بالهواتف وتطبيقاتها ذات التقنيات العالية.
أما على الصعيد الثقافى والسلوك والتربوى فحدث ولا حرج وشئنا أم أبينا فقد أصبحت الميديا هى المتحكمة فى سلوك أبنائنا ولم يعد للأسرة والقدوة ذات الدور السابق بعد أن أصبح كل فرد من أفراد الأسرة يعيش فى عالمه الافتراضي الخاص به، وينفتح على ثقافات ومعلومات تفتقد للدقة والمصداقية لصعوبة نسبتها إلى مصدر معروف وموثوق فيه.
وبعد أن حلت الميديا بديلا للكتاب أفرزت ثقافة قشرية، وأنتجت أجيال يسهل توجيهها واقتيادها بالشائعات والأكاذيب عن جهل أو عمد من أفراد أو جماعات أو حتى من دول ومؤسسات وأجهزة استخبارات تقود معاركها خلف عوالم افتراضية، وبصفة وهمية أحيانا.
كلنا نعى وندرك تلك المخاطر ونبدى الكثير من الإعجاب بالغرب الذى يتعامل مع مستجدات الشبكة العنكبوتية بموضوعية فى الوقت الذى نصنفهم فيه بالعبقرية، وكأنها جينات متوارثه عبر الخصى والأرحام، وليست سلوكًا بشريا قابلًا للتعديل والتهذيب، واعتبارات المصالح والمنافع الفردية والجماعية.
فإلى متى تعيش مجتمعاتنا فى وهم المعرفة الخادع، وكل الشواهد والتجارب توكد أن الأشياء هى الأشياء، والبشر هم البشر، وليس لهم إلا ما تحيطهم به نحن، من وهم وظن واعتقاد.
**نائب رئيس التحرير
masoliman3@yahoo.com