شــــــــــذرات لغوية
بقلم السعيد عبد العاطي مبارك – الفايد
قال تعالي :
" ربنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " سورة البقرة : الآية 201
يقول الحسن :
حسنة الدنيا : العلم النافع و العمل الصالح .
و حسنة الأخرة : الجنة .
نعم و لم لا وقد جمع كل الخير قولا و عملا في تفسيره هذا .
مع الإعراب:
=======
(رَبَّنا) منادى مضاف منصوب، ونا في محل جر بالإضافة.
(آتِنا) فعل دعاء مبني على حذف حرف العلة المدلول عليه بالكسرة والفاعل أنت ونا مفعول به أول والمفعول الثاني محذوف أي: حسنة.
(فِي الدُّنْيا) متعلقان بالفعل قبلهما والجملة مقول القول.
(حسنة) مفعول به منصوب الواو عاطفة (في الآخرة حسنة) مثل نظيرها المتقدمة، الواو عاطفة (ق) فعل أمر مبنيّ على حذف حرف العلّة و(نا) ضمير متّصل في محلّ نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (عذاب) مفعول به منصوب (النار) مضاف إليه.
جملة: (منهم من يقول) لا محلّ لها معطوفة على جملة من الناس من يقول.
وجملة: (قنا عذاب النار) لا محلّ لها معطوفة على جملة آتنا...
الصرف:
(قنا)، فيه إعلال بالحذف المضاعف، حذفت فاء الفعل بدءا من المضارع لأنه معتلّ الفاء، وحذفت لام الفعل لمناسبة البناء، يعامل معاملة المثال والناقص، وزنه عنا.
(حسنة)، اسم للشيء الحسن المطلوب، وزنه فعلة بفتحتين .
حول المعني
=======
وقال ابن وهب،: سمعت سفيان الثوري يقول[في] هذه الآية: " ربنا آتنا في الدنيا حَسنة وفي الآخرة حَسنة "، قال: الحسنة في الدنيا: العلمُ والرزق الطيب، وفي الآخرة حَسنة الجنة.
والذي عليه أكثر أهل العلم أن المراد بالحسنتين نعم الدنيا والآخرة ، وهذا هو الصحيح ، فإن اللفظ يقتضي هذا كله ، فإن " حسنة " نكرة في سياق الدعاء ، فهو محتمل لكل حسنة من الحسنات على البدل . وحسنة الآخرة : الجنة بإجماع . وقيل : لم يرد حسنة واحدة ، بل أراد : أعطنا في الدنيا عطية حسنة ، فحذف الاسم .
بيّن اللَّه جلّ في علاه في كتابه (الذكر الحكيم) دعوات لأهل الهمم القليلة، وأصحاب الحظوظ الدنيوية يسألون حظ الدنيا فقط .
َمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ
ثم ثنّى ـ بأصحاب الهمم العالية الذين يسألون خيري الدنيا والآخرة، وذكر سبحانه هذه الدعوة في سياق الثناء والتبجيل في كتابه الكريم تعليماً لنا في التأسي والعمل بالتنزيل بملازمتها مع فهم معانيها ومضامينها، وما حوته من جوامع الكلم الطيب، مع قلّة المباني، وعظيم المعاني.
آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً :
-------------------
سؤال من خير الدنيا كله بأوجز لفظ وعبارة، فجمعت هذه الدعوة كل خير يتمناه العبد .
فإنّ الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي، من عافية، ودارٍ رحبةٍ، وزوجةٍ حسنةٍ، ورزق واسع، وعلم نافع، وعمل صالح، ومركب هنيءٍ، وثناء جميل، إلى غير ذلك .
وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً:
------------------
أما الحسنة في الآخرة فلا شك أنها الجنة؛ لأن من لم ينلها يومئذٍ فقد حُرم جميع الحسنات.
فهي أعلى حسنة، ويدخل في حسنات الآخرة كذلك:
الأمن من الفزع الأكبر في العرصات، وتيسير الحساب
وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة.
وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ:
----------------
وهذا يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا، من اجتناب المحارم والآثام، وترك الشبهات والحرام
وتتضمن هذه الوقاية أيضاً
ألاّ يدخل النار بمعاصيه، ثم تخرجه الشفاعة
ثم بين ـ علو درجتهم، وبعد منزلتهم في الفضل، كما دلّ على ذلك اسم الإشارة (أولئك) ]أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ .
ولما كان هذا الدعاء المبارك الجامع لكل معاني الدعاء من أمر الدنيا والآخرة، كان أكثر أدعيته كما أخبر بذلك أنس أنه قال:
كان أكثر دعاء النبي صلي الله عليه و سلم .
واقتدى بذلك أنس ، فكان لا يدعه في أي دعاء يدعو به .
وقد طلب منه بعض أصحابه أن يدعو لهم، فدعا لهم بهذه الدعوة المباركة، ثم قال: " إذا آتاكم اللَّه ذلك فقد آتاكم الخير كله " .
و الخلاصـــــــــة .
-----------------
ولذا ينبغي للداعي أن يكون من أصحاب الهمم العالية.
وأن الإنسان لا يذم إذا طلب حسنة الدنيا مع حسنة الآخرة.
نعم أن كل إنسان محتاج إلى حسنات الدنيا والآخرة
ومن حُسن الدعاء أن يجمع في مطالبه بين الرغبة:
]آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً[، والرهبة: ]قِنَا عَذَابَ النَّارِ[.
حتى يكون العبد بين الخوف والرجاء.
و من ثم نجد أن أهمية الأدعية في كتاب اللَّه تعالى، فهي كافية وشافية من جميع المطالب التي يتمناها العبد في دينه، ودنياه، وآخرته.
و في النهاية لا نمتلك الا نردد هذا الدعاء قولا و عملا في كل حين ، و لم لا و هو الخير كله :
" ربنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ "
آمين
مع الوعد بلقاء متجدد أن شاء الله