كثيرة هي البلايا التي أصابت المسلمين في أربعة عشر قرنا مابين وحدة وفرقة وإنتصارات وإنكسارات عرف فيها التاريخ الاسلامي شتى أنواع العلوم والمعارف والكتب والاختراعات والثقافات والحروب من حرب فكريه وحرب عسكرية
لم يقل التاريخ الاسلامي قدراً عن أي تاريخ عرفته البشريه بل ربما زاد عليه حينا وفاقه بمراحل حين ولم يخل أيضا من العثرات التي هي سنة من سنن التاريخ فترى أول ما اصاب المسلمين من الرزايا هو موت النبي وافتراق المسلمين وارتداد كثير من عرب شبه الجزيرة العربيه ثم أصلح الله الامر فابتلي المسلمين بوفاة عمر رضي الله عنه ثم مقتل عثمان ثم اختلاف المسلمين في فئتين عظيمتين من المؤمنين ومرورا بالحملات الصليبيه وهجوم التتر وسقوط بغداد وضياع الاندلس وغيرها الكثير من المصائب
ولكن أعظمها على الاطلاق هي الاحتلال الغربي الجارف لم يقتصر احتلال العصر الحديث على المال والارض وموارد الاقتصاد بل تعدى ذلك الامر بمراحل فتجد أنه تم تحويل المسلمين من عالم افكار المسلمين إلى عالم الفكر الغربي فصار تابعاً للفكر الغربي وليس منتجا لفكره فترى جُل النقاشات عن لماذا قال فلان بهذه النظريه وما الذي جال بخاطره فانتج مثل هكذا نظرية ولا يتسائل عن مدى صحتها بل اصبح بمثابة التابع للمفكر الغربي يأكل من فتات فكره ويأتي ليتصنع المعرفه وهم في ذلك اما متدبرين في تحليل ظروف النشأة وإيجاد تعريف جامع لها وتطورتها كما تدارسنها في المدرسة وإما مغلوب خاضع يحاول أن يجد لها تأويل في التراث المسلم كي لا يوصم الاسلام بالجمود
فقد أوضح أحد الباحثين بأنه خلال القرن الماضي وفي ظل تسيد الفلسفات التي تعظم القوة العسكرية أعاد أحد علماء الاسلام يدعى عناية الله المشرقي تفسير الاسلام تفسيرا عسكريا معظم معاني القوة فيه
والشيخ جمال الدين الافغاني حيث تحولت نظرته عن الاسلام بوصفه دين مجرد لخدمة الله فقط إلى وسيلة لخدمة المدنية الانسانيه وازدهاره ولم تكن فكرة المدنية وليدة الفكر الاسلامي وإنما كانت طارئة عليه فقد دخلت إلى العالم الاسلامي بواسطة الافغاني كما قال ألبرت حوراني
وفي ظلال القرن الماضي أيضا ومع ظهور نظرية داروين التي احدثت جدلاً واسعاً في نوادي المثقفين بين مؤيد ومعارض فاصيب بعض المفكرين بالعجز عن مقاومتها فأخذ طريق التأويل أمثال رشيد رضا الذي قال: إنه لا تعارض بين نظرية النشوء والارتقاء وما جاء في القرآن الكريم. وفسر قوله تعالى(يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة) بأن لكل أمة أن تحدد النفس كما تشاء وقال بأن الداروينيه لا تنقض قاعدة من قواعد الاسلام واليوم قد تبين لنا كذب إدعاء داروين
وعلى أية حال فإن الفكر الاسلامي رغم كل تلك النقاشات بين مؤيد ومعارض لأي نظرية من النظريات الغربية فإنه يبقى أسير فلكها يدور فيها ولا يخرج عن مدارها يستقبل إشكالات غيره الفكريه ولا يصدر فكره إليه
وقد ساعد على ذلك التصور الخاطئ عند بعض المتغربين عن الغرب من أنه أرض الوحي العلمي وأنه إن نزل القرآن في مكة والمدينه فإن الوحي العلمي يهبط في زيورخ وأكسفورد والذين تحدث عنهم الدكتور محمد عمارة بقوله:كانت لدينا في تاريخ التغريب فئة إنبهرت بالغرب لأنها لم تفقه حقيقة الاسلام وإنما رأت شريحة لا تعجبها من الفكر الاسلامي وعندما نضجت هذه الشريحة عادت إلى الاسلام والرؤية الاسلامية. وهؤلاء هم اول من أطلقو العنان لمثل تلك الجدالات التي مازلنا فى صددها إلى اليوم
وما أردت التنويه إليه هو الموقف الفكري الدفاعي نحو الاشكاليات التي تعرض في الفكر الغربي والانبهار الساذج بما فيها فقد ذكر الدكتور عبدالوهاب المسيري عن ما قالهم أحد الاساتذه لائم الحال المتردية بقوله:هم وصلو لما بعد الحداثة ونحن لم نصل بعد إلى الحداثة وهو إما مغيب أو جاهل بحقيقة الحداثة وهي أن كل شئ سلعة وقابل للتفاوض والشراء والقيم فيها تكون ذات قيمة صفرية وغيرها الكثير من الاشكالات فإننا إذا ما اردنا التقدم فعلينا بخلق إطروحاتنا الخاصة والتخلص من تبعية العقل وعلينا أن نكون متبوعين كما قال أحد الباحثين:علينا العودة إلى القرآن واستنباط الاطروحات منه. وأن نكون متأخرين في الجانب المادي للحضارة خيراً من أن نصير مسوخاً من الثقافة الغربية فلأن الجانب المادي يمكن تداركه بإستيراد الكيفيه التكنولوجية أما الجانب الثقافي إن ضاعت فيه هويتنا فأنى لنا ان نستردها مرة أخرى
















