إذا ما تجرد المرء من دنياه ومُلك قلم ووريقات تراه قد ملك كل شئ ولم يملكه شئ، فترى ذلك الحبر وقد انتثر أحرف وكلمات تنطق عن صدر كاتبها، متسائلا عن كينونة ذلك، كيف حفظ الحبر كلام لم يسع صدري حفظه، وعيّ لساني عن نطقه، والحقيقه لو تدبر الإنسان في نفسه فإن غاية تدبره هو كيف وجدت نطفة ثم جنينا ثم طفل ثم صبي، كيف وجدت تلك المعاني في نفسي كيف صرت إنسانا كيف سجيتي
يا لذلك السر الذي تكتنزه النفس ولم تبح لأحد به فلكم تتملكني الحيرة الموشكة على الانفجار فأدسها في نفسي وما تزال تصول وتجول في خاطري ولا ألفي لها من مسكت فأصبّرها بأن يا نفس ليس لي من العلم إلا ما علمته وما أجهل فليس لي.
فما أنا بمضيع عمري فيما لا يرام ولكن هب لي الممكن فانجزه وهل تستحق تلك الأسرار أن أبدد العمر فيها ثم لا يكون لي منها إلا ما كان، أم أن قيمة تلك الأشياء في جهلك إياها حتى إذا انكشفت لك زهدت فيها
وتملكك النفور عنها لا أحد يعلم.
وما تزال النفس تكتنز الكثير منها ولكن أعلم أنها لن تفصح لك عن جواب حتى تترك سوألها وأنك لن تدع السؤال حتى توضع في لحدك ولن يهمك شئ مما في نفسك حينها.
فهكذا الدنيا وهكذا النفس يمنعانك من حيث رغباك ويرغباك من حيث منعاك فلا تشقى بسؤال ولا تطمع بجواب ودعها وما تريد فلن تنال إلا ما نلت وأقنع بما ملكت فإن الجشع مرتعه وخيم.