بمناسبة اليوم العالمىً للغة العربية بين يدي نص الشاعر حسين حرفوش
كتبت - إشراق وحي القلم
أحيانا يكون وراء الاقتراب والأنس شعور بالاغتراب والوحشة ..وربما كان الاقتراب من موضوع أو قضية وجد الشاعر بينه وبينها هذا التماهي الشعوري ..الذي تولدت عنه مساحات شاسعة للإبداع ..هذا الذي جسد اللغة العربية كيانا حيا ينبض بكل المشاعر التي تعتلي الإنسان في لحظات الضعف والحنين ..والغربة والشجن ..والوحشة والاغتراب
إنها المشاعر المنصهرة التي ذوبت بحرارتها السطور فأحدثت هذا التماهي بين الشاعر والقصيدة ..وبين الشاعر والقضية ..بين الشاعر والقارئ ..بين القارئ والنص ..وبين النص والإبداع ..هذا الذي يقف بنا على حد الدهشة متسائلين كيف يكون الاغتراب مع كل هذا البيان ؟؟!!! كيف تكون الغربة مع كل هذا الحضور ؟؟!!!
كيف تكون المعاناة مع كل هذا الإبداع الذي يرفع به الشاعر راية اللغة خفاقة عالية في سمائنا العربية ؟؟!!!!
أيها السادة ، تعالوا معي نبحر في القصيدة التي ألقاها الشاعر حسين حرفوش بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية ، في نادي الجسرة الثقافي في الدوحة ، ثم أتبعه بقراءة نقدية ميسرة بين يدي النص ، دمتم في خير حال .
عَلَى قَدْرِ الـمَحَبَّةِ فِي الجِنَانِ .. تُلَوِّحُ بِالمـــــَوَدَّةِ مُقْلَتَـــــانِ
وَأَبْدَتْهَا الـجَوَارِحُ فِي حَيَــــــاءٍ .. تُتَرْجِمُــــهُ تَرَانِيمُ اللِّسَـانِ
تَلَاقَيْنَا عَلَى حُبٍّ ؛ فَـ(هِمْنَـا ) وَ(هَـمَّتْ) بِي، فَذَابَتْ فِي كيَانِي
تُنَاجِينِي ،فَأُصْغِي ، كُلُّ حَرْفٍ أتى سحرًا تُضاعفه المعَانِي
وَكَمْ فَاضَتْ سَنًا مِنْ مَشْرِقَيْهَا ، وَكَمْ يَهْفُو إِلَيْهَا المَغْرِبَــانِ
تَصَارَحْنَا ، فَأَبْكَانِي أَسَاهَا، وَلَاحَتْ فِي العُيُونِ الدَّمْعَتَـــانِ
أحِبُّكِ قُلْتُهَا ، قَالَتْ وَلَكِنْ دَلِيلُ الـحُبِّ ، تَضْحِيَةُ الـمُعَـانِي
تَنهَدَتِ الحُروفُ ، فَقُلْتُ رِفْقـًا تُعَانِيـــنَ الَّذِي مِنْهُ أُعَـانِي
فَعَانَقَ كُلُّ حرفٍ، كُلَّ حرفٍ مُوَاسَاةً ، وَأَجْهَشَتِ المَعَانِي
فَقُلْتُ كَفَىَ النَّحِيبُ،فَقُلْنَ يُدْمِي فُؤَادِي مَعْ فُؤَادِكَ غُرْبَتَانِ
فَغُرْبَةُ أَحْرُفِي فِي عَيْنِ قَوْمِي،وعُجْمَةُ صَوْتِهَا فَوقَ اللِّسَانِ أ
أُعَانِي الغُرْبتَيْنِ بِدَارِ أَهْلِي وَمَا أَشْقَى الَّذِي مِثْلِي يُعَانِي
وَمَا أَشْقَى الَّذِي يُقْصِيهِ أَهْلٌ ويُحْرَمُ مِنْ وِدَادٍ ، مِنْ حَنَانِ
وَمَا أَشْقَى الَّذِي يَحْيَا بِأَرْضٍ يَـمُرُّ العُمْرُ لَكِنْ فِي هَوَانِ
عَـجِيبُ الطَبْعِ مَنْ يَهْوَى سِوَايَا وَقَدْ أَلْبَسْتُهُ طُهْرَ المَعَانِي
بِقُرْبِي قَدْ بَدَا دَوْمًا أَمِيرًا فَيُقْلِينِي،وَيُـمْعِنُ فِي امْتِهَانِي
تُنَاجِيهِ (العُيُونُ الزُرْقُ ) يَنْسَى وَيُغْرَى بِالوُعُودِ ، وَبِالأمَانِي
وَلَا يَدْرِي بِأنَّ السِّحْرَ عنْدِي عُيُوني السُّودُ،مِنْ حُورِ الجنانِ
وَلَا يَدْرِي بِـجُرْحٍ فَوقَ جُرْحٍ يُعَانِي مِنْهُمَا طُولَ الزَّمَانِ
فجُرْحٌ غُرْبَةٌ عَنْ وَحْيِ رَبّي وَجُرْحٌ فِي انْتِسَابٍ لِلـمَكَانِ
أَلَا يَكْفِيهِ عِزًّا أنَّ رَبِّي .. تَجَلَّي بَعْدَ مَنٍّ فَاصْطَفَانِي
فَسِرْتُ بِهَدْيِ وَحْيِ الله نُورًا غَدَوْتُ التُّرْجُمَانَ ..وَلِـلـمَثَانِي
فَأَخْـجَلَنِي البَيَانُ،فَقُلْتُ أَحْيَا أَصُونُ العَهْدَ .. يَـحْفَظُكُمْ بَيَانِي
)ولَوْ أنّي حَمَلْتُكِ في عُيُونِي إِلىَ يَومِ القِيَامَةِ مَا كَفَانِي)
قصيدة تسلط الضوء على قضية من أهم قضايا هويتنا العربية والتي تبرهن فيها الحروف على صدق اهتمام الشاعر بلغتنا العربية والرغبة في العودة بها إلى مكانتها الرائدة دائما بين لغات العالم والتي تليق بها وبمكانتها كلغة للقراّن الكريم.. وهذا بلا شك يكفيها فخرا وشرفا .
لقد صاغ الشاعر القصيدة بأسلوب حوارى جميل ..كل جملة فيه مثقلة بمشاعر عدة ..تحمل كما هائلا ومكثفا من الإسقاطات النفسية والشعورية والتي إن دلت على شيء فإنما تدل على مدى تأثر الشاعر تأثرا كبيرا بالحال الذى اّلت إليه لغتنا العربية ...فلقد استطاع الشاعر من خلال تلك القصيدة أن يرسم صورة للألم الذى تعانى منه لغتنا العربية . لونها بمشاعره وأحاسيسه لدرجة تستشعر معها أن الصورة التي خطها القلم للغة.. هي والشاعر شيء واحد.. امتزجا معا فذابت المشاعر ..وتوحدت الآهات وأصبح النبض واحدا في جسد ..يعانى كل منهما مما يعانى الاّخر.
لقد توحدت المعاناة التي تبثها الغربة في نفس كل منهما ..فكلاهما ينتابه نفس الشعور والإحساس ..فما بين قالت وقلت ترسم الحروف للغربة صورا عدة يلونها الإحساس النابض بكل منهما... إنه لون يثير الشجن ..تحفر فرشاته في القلب حزنا عميقا تنثره تلك الغربة التي حالت بين اللغة و قومها فأصبح اللسان أعجميا يستغرب الفصيح منها ولا يعرفه. إنها غربة في النفس بين الأهل والوطن وربما هي غربة يحسها الشاعر ويعانى منها كثيرا فاكتست الألفاظ والعبارات والصور ثوبا من معانيها .
لقد استطاع الشاعر بقدرة عجيبة وبمهارة فائقة أن يجعل اللغة كائنا حيا نتعاطف معه ..وننحني لآلامه ..ونقرأ أحزانه ..ونتعهد بحمل همومه وأثقاله ..وحفظ بيانه .
كما تعهد بالوفاء لتلك اللغة التي تتوحد معها الصفوف تحت راية واحدة هي راية العروبة ..وها هو حرفه يفي بالعهد و يشهد له بالصدق ..فنلمح فيه بلاغة لغتنا العربية وجمال معانيها ورقة ألفاظها وجمال صياغتها وحسن استخدام أساليبها المختلفة. فما أجمل الحرف الذي يثير غيرتنا على لغتنا العربية .. رمز عروبتنا وهويتنا .. وما أجمل القلم الذي يرفع دائما راية الضاد خفاقة عالية