السعيد عبد العاطي مبارك الفايد يكتب.. الشاعرة السودانية المهندسة ابتهال تريتر
*****************
" ويسألني لماذا أنت/ يسألني لماذا؟/ لأنك صرت يا وطني ملاذا/ فقدمني لآلاف المنافي إذا ماشئت/ أو كني لواذا/ وعشت وحيدة وأسير وحدي/ لألقى بعد مفترقي معاذا" .
-----
رجاءات
كنتُ وحدي
أُُرجعُ الذِّكرى وأُلقى في مداها
أدمعاً غنّت تراتيلَ التقائي
بعصِيِّ الوصل في العهد المُقدّسْ
أنت أدنى من وريدي
لكأنِّي آخُذُ الدُّنيا على كفٍّ
وأحيا فيكَ بالكفِّ التي قد أسلمتني
لفُتاتِ الصّبر من قلبٍ توجّسْ
أيُّها الأسمرُ جئني ٠
٠٠٠٠٠٠
نعم أنها معجونة بحب الهندسة ٠٠ و الشعر عندها قضية لا تتجزأ ومؤمنة بدور كل العلوم في توجيه
مسار القلم ٠٠ !!
في البداية هذه الانطلاقة من أرض السودان الشقيق بين النيل الأبيض و الأزرق و مثلت الخرطوم العاصمة الجميلة الرابضة على صفحات النيل الخلد ملهم الإنسان فيوضات الحياة و الإبداع في ثنائية العبقرية ، نتجول مع الشعر و الشعراء لنقف بين دوحة الشعر النسائي ، و لمَ لا فالمرأة صوت الحياة الحقيقي بكافة الظلال و هى تعكس صدى ملامحها في قصيدتها التى تترجم تباريح المشاعر في لوحة رائعة هكذا ٠٠٠
فقد تعرفنا من قبل على عدة أسماء شواعر تذخر بهن بلاد السودان أمثال:
روضة الحاج و ليلى المغربي وزينة محجوب إشراقة مصطفى و امتثال محمود و صافية الحلو و عفاف الصادق ومناهل فتحي و دكتورة آمنة نوري وسعادة عبد الرحمن ، وغيرهن كثيرات ٠
و ها نحن هذه المرة نفتح صفحات القصيد من ديوان شاعرتنا المهندسة ابتهال تريتر ٠
حيث تبني و تشيد قصيدتها في أناقة هندسة فن العمارة بزخارفها التراثية صورة تحشد كل مقومات القصيدة الفنية ٠
* نشأتها :
-----------
ولدت الشاعرة السودانية المهندسة ابتهال محمد مصطفى تريتر في الخرطوم ، و بعد مراحل التعليم المختلفة تحصل علي بكالوريوس الهندسة و تظل تعمل في هذا الحقل بجانب الإبداع الشعري كما شاركت في مسابقة أمير الشعراء بأبي ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة ٠
وهي نائب مدير بيت الشعر بالخرطوم٠
ولها عدة قصائد منها: حدائق الهطلان، وقثارة تعترف، وما في الخرائط، البئر عطلها الغياب، وهذا الأسود، وضوء الكلام، وكبرياء، وعلى دفتر في السكون الأخير.
* مختارات من شعرها :
==============
و نبحر مع الشاعرة السودانية ابتهال ترتير من خلال فلسفتها التي تشرق من عبق التراث بمفردات تنم عن عمق الثقافة وروافدها المتدفقة عبر ٠٠٠
قصيدتي التي منحتني صوتها بعنوان "إغفاءة على صدر يوكابد" ، يوكابد أم سيدنا موسى سلام الله عليه ، وفيها ترمز لمعطيات تلازمها دوما عطرا و مطرا و شعرا و سفرا مع نيلها المنطلق ، فتقول في مطلعها :
ميقاتُك العِطْرُ عنْدَ المنتهى أسْرَى
نيلا يعانق في أرحامه السِّدْرا
كنخلةٍ علَّمت أترابَها جملاً
من العَطاء و ألقَتْ ظلَّها جِسْرا
(يوكابِدُ) الحُزنُ شَظَّى اليَمَّ أفْئِدةً
من التوابِيتِ عند الضِّفةِ الأُخْرَى
أخِيطُ من كِبريائي ثَوبَ أُحْجِيتي
وأَرتَدِي الشَّمْسَ إني بنتُها الكبرى
صومي ثلاثاً عِراضَا ربما نطَقتْ
من تحتك الأرضُ من أفواهها أمْرا
ماعدتُ أرجو سُيُوفا كي تُنَبِئني
أنا التي ببقَايا نصْلِها أَدْرَى
لا أسْتَعيدُ خُناساً إنَّما بَلَدِي
في كلِّ جَبْهة صُبْحٍ كَفَّنتْ صَخْرا
أشْبَلتُ أشْبَلتُ حتى أشبَلتْ لُغتِي
وفجَّرَ الحِبرُ من أوجَاعِها زَأْرَا
وكم خرَقتُ على أمْواجِها سُفُنَا
سارَتْ على الرَّمْلِ لمَّا لمْ تجِد بحْرا
أنا السَّبيطَةُ لما استعْصَمت صُعُدا
يدُ العراجِين شدت قِمَّتي الجَذْرا
أنا الجِدارُ الغُلامُ الحُوتُ مَعْذرةً
لم أستطِعْ رغم مافي جُبتِي صَبْرا
عَلَى الكواهِلِ قَهْرٌ جُزْته فرَمَى
تأشِيرَة الخوف من رُزْنامتي الحيرى
حقبت كلَّ تراثِ الدَّمعِ في كَتِفي
وما ادخَرتُ لنونٍ حرة شِبرَا
كتبت فَوقَ مُتونِ السحب أغنِيةً
تساقطت للحَزَانَى أنجما زُهْرَا
بكيت كلَّ نزار في رسُولتِهِ
وصِرتُ أتْلُو على أَشْلائِها شُكْرَا
لو أَخرُجُ الآن من أعْماق سُنْبلةٍ
يستطعم الناسُّ من آفاقنا الشِّعرا
وأستعيدُ مَقامَ الضُوءِ شَاهرةً
سيفَ الحياةِ لمن ألقى لنا قَبْرا ٠
***
و تقول ابتهال ترتير في قصيدة تفسر حالة مد وجذر بين عناق الورد و الود و البارود في تباين بين الحب و الحرب و الجمال و الغضب و السلام ، لكنها بصمت العاشقين تجود :
منك الورود ومن فمي البارود
انت القصيد وما سواك أصيد
الصبر حلواي المسافة دفتري
وحقيبتي السلوى ووجهك عيد
الظل قافيتي استبحت نهارها
هل يشتريني الليل والتسهيد
خذني الى أكناف شوقك مقدسا
يجتاحه التكسير والتهويد
خذني لموج كافر ماهمه
جزر يحد هياجه ومدود
لا لون لي لا طعم لي لا لي سوى
دفء احتوائك أيها الغريد
أنا بعض ألسنة تعاير بعضها
وتثور ثم تفور ثم تبيد
الريح وجهتك القصيدة كلها لك
شاطئي ما اشتهي وأريد
تمشي علي الأرض أثقل خطوها
حتى يجيء بنارك الأخدود
وتجود لي رئة الكلام بجملة
وأنا بصمت العاشقين أجود ٠
***
ونتنقل مع شاعرتنا ابتهال بين مزن الكلام نجمع شتات العمر من تحت جلد الشعر فتصور لحظات التلاقي مع عناصر الطبيعة التي تعانق مشاعر الإنسان في غربته وحيرته فتنحدر مع موج البحر تنقش لوحاتها على الشاطيء البعيد في تداعيات مركبة تنهض بالحلم المتعسر لتقول لنا في جرأة تقتحم المشهد :
مُزَنُ الكلام
يا مقنِعي ..
نفذتْ بجلدِ الشِّعرِ كلُّ مطالبي..
ومنابري
وتجرَّدت منّي المسامُ
وغادرت أعضاءها
بل جرَّبتْ مُزنُ الكلام القطرَ بين أصابعي
عفَّت متاريسُ اللّقاء وآزرتكَ
وقايضت ..
صبري بوصلكَ
وانفلاتي فوق خطِّ الحظر حزناً باعتقالكَ
رقَّمت كلَّ المشاعرثمّ نادتني: ضعي
واستفهمت معنى انتمائي لاحترافِ العصف..
والمُدُنِ الخوالي..
والمسافاتِ الطُّوالِ
وأومأت كل ُّالحواسّ
ووقّعت كفّي الشُّروط
ولم أُجِبْكَ ولم أعِ
بالله كيف جعلتني رمضاءَ بين القبلتينِ
أُيَمِّمُ القلبَ المشوقَ ..تَيَمُّم المُتَبَتِّلينَ
ولم يُصَل ِّفرائضي
ويدسَّ في الحجرالكريم..
تبتُّلي وتضرُّعي
يا كيفما اتّفق الزّمانُ
جلستُ بين الحُسنَيينِ
فلا انتصارُك عادَني
لا نِلتُ أوسمةَ الشّهادة وانتظرتك جُملةً
برهافتي..
وصبابتي..
وتدلُّلي
وتمنّعي
إنّي اقترفتُ محاسناً..
وملِلتُ من مسِّ الحصى
ما كفَّرت عجزي الدُّموعُ
ولا الصّلاةُ على مضىو
كم أشعلت منِّي"مضى"وتكتُّلاتُ بناتِها
مِن"فات ..
غادر ..
واحتمى"..
ناري وزادت أدمُعي
اللَّيل ليلي..
والظُّنونُ مطيّتي فوق السّهى
والنّجم راحلتي إلى وَجَعِ النِّزاريّاتِ ..
لو بلقيسُ عاشت..
ما أتت شكراً على نفس القصائد...
واحترقْن بمسمعي
نزفٌ هو الحزنُ المُخبَّأُ بين أمتعة النّساءِ
عشقْنَهُ حدّ النِّهاية وانتظرْنَ قُدُومَهُ
بالبشريدخُلُ للمدينةِ..
فاتحاً.. بابَ الضّراعة والجوابِ الأنجعِِ
الرّشفُ أنقعُ لوعرفْن مذاقَهُ مِثلي
وما فرَّطْنَ في الصّمتِ المَقيتِ
وإن تَعَاظَمَ حَملُهُ
وتركْن أضرحةَ الرّجالِ
تحجّ كلَّ صبيحةٍ في دورِهنّ
وما رأيْن َبذاك إلّا حسنَ مِعصَِمِهِنّ
بين سُوار قلبٍ مُفزَعِ
وأقولُ لكن ما احتمالي !!
قد كتبتُ وصيّتي لكَ
مُذ قرأتَ عليَّ من ترتيل حبِّك أبجدي
علّمتني ..وأنا أحبُّ معلِّمِيّ ودفتري !
وحفظتَني في بُؤْبُؤَيك
أخذتَ ناصيتي ولم تكْذِب
وقلتَ استوقفيها يا ظنون..
ويا محابرَها اطبعي
وأنا طبعتُ
ولم أزل أبني على الصّخر القصورَ
وأشرَئبُّ إلى العُلا..
وتعودُ أنت بساعديك
تواجِهُ الحُلُم القويَّ
وتستفزُّ مطامحي..
وتجيءُ من بيني معي
اللّيلُ ليلُ المتعَباتِ
جعلْنَهُ أُرجوحةً تحيا على ساق الأماني
حين تأتي مسرعاً
وتموتُ لوغدرت بكَ اللَّحَظَاتُ..
أجفلَتِ الخُطى
وتربَّعت مِحَنُ الزّمان..
على رفوف الأضلُع
آليت ُلكن ليت من آلى تجاذَبُهُ الرّؤى
وأنا انتزعتُ الخوف من أقدارنا ..
يا سيِّدي
ولففتُه تحت الخِمار..
وصنْتُهُ في أربُعي
ومحوتُ أقنعة الحقائق..
ثمّ عدتُ لبستُها
فصّلتُ قهرك واسعاً.. حتى يغازلَه الشجى
وخرجتُ من ثوب المحبّةِ..
حرَّةً بتَوَقُّعي ٠
هذه كانت أهم المحطات في عالم شاعرتنا السودانية المهندسة ابتهال ترتير التي تمتلك موهبة فنية متعددة تتلاقي مع مشاعرها الفياضة داخل محيط اللغة الرصينة السهلة التي تستوعب ظلال تجربتها بكافة خصائصها الفنية حيث تحمل هموم الوطن و حياة المواطن البسيط فتعبر عن جماليات الواقع الذي تحلم به دائما ٠
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي أن شاء الله ٠