الاربعاء, 05 سبتمبر 2018 00:14 صباحًا 0 625 0
الدكتورة إلهام سيف الدولة حمدان تكتب لـ "مع الناس نيوز".. النيل ..حابي .. إله الخير !
الدكتورة إلهام سيف الدولة حمدان تكتب لـ

الدكتور إلهام سيف الدولة حمدان تكتب لـ "مع الناس نيوز".. النيل ..حابي .. إله الخير !

مِـنْ أَيِّ عَهـــدٍ فـي القُــــرَى تتَــدَفَّقُ * وبـــأَيِّ كَـفٍّ فــي المـــدائن تُغْــــدِقُ ؟
ومـن الســمَاءِ نـزلـتَ أَم فُجِّـرتَ من * عُلْيـــا الجِنــان جَـــــــداوِلاً تـتَـرقرقُ ؟

هذ هو النيل العظيم كما رآه أمير الشعراء/أحمد شوقي ؛ وقام بتصويره كأجمل مايكون التصوير، فقد كان النيل دائمًا مصدرًا لإلهام الشعراء بكل الصورالرائعة التي فرضت على البشرية خلودها، فقد جسد "حابي" فيضان النيل في صورة إنسان يحمل فوق رأسه نباتات مائية؛ ويُظهر جسده معالم الجنس الذكري والأنثوي في الوقت نفسه، فتظهر ملامح الذكورة في عضلات أرجله وذراعيه، وهو يرمز لخصوبة الفيضان،وتظهر ملامح الأنوثة في الصدر والبطن، وترمز إلى الأرض التي تم إخصابها بمياه الفيضان، فقد كان هو سيد النهر، الذي يجلب النماء، وسيد أسماك وطيورالمستنقعات مما يرمز إلى أنه منح المصريين هذه المخلوقات مع النيل نفسه ، ولذلك فقد صور في المعابد وهو يحمل القرابين للأرباب. وكثيراً ما تم تجسيد حابي على كرسي العرش، وهو يقوم بربط زهرة اللوتس ونبات البردي مع رمز الوحدة ، ويرمز هذا إلى دوره في توحيد البلاد ،وكان حابى يعيش فى الكهف الذى يخرج منه فيضان النيل . وتذكر كثير من الكتب أن "النيل إله يدعى حابى غير أنه للنيل الجغرافي اسم آخرالنهر " أترو" ، ولو راعينا الدقة أكثر فإن النهر العظيم أترو ــ عا ( ومنها ظهرت كلمه ترعة ) وتقول التراتيل والصلوات حابى، أبو الآلهة؛ الذي يغذي ويطعم ويجلب المؤونة لمصر كلها" .

هذا هو تاريخ النيل العظيم الذي قال عنه "هيرودوت" : مصر هبة النيل ، ولكن العالم العظيم الدكتور جمال حمدان رد على تلك المقولة في كتابه "شخصية مصر" : بأن النيل هبة مصر العظيمة ، وعلى ضفتيه نشأت الحضارة المصرية القديمة والحديثة ، فكانت دائمًا قيد الأطماع الاستعمارية العسكرية والسياسية والاقتصادية والإجتماعية، وخرج علينا كل أعداء مصر والشامتين فيها بكل مافي قلوبهم من غلٍ وحقد ، حين أعلنت الدولة الأثيوبية أنها تزمع إقامة مايسمي بسد النهضة على النيل؛ بما يهدد حصة مصر المائية، وبما قد يؤدي إلى انخفاض منسوب المياه في النيل أو جفافه كما يدعي الأدعياء الذين يعيشون بيننا ويحاربون الشعب المصري في مصدر حياته .

و بإطلالة سريعة على ماهية سد النهضة ، نجده قيد البناء يقع على النيل الأزرق بالقرب من الحدود الإثيوبية - السودانية، ويعد واحداً من ثلاثة سدود تُشيد لغرض توليد الطاقة الكهرمائية في إثيوبيا، مما أثار القلق لدى الخبراء المصريين لتأثيره على تدفق مياه النيل وحصة مصرالمتفق عليها، وكانت الدول المتشاطئة على نهر النيل في السابق مستعمرات لدول أجنبية ثم حصلت هذه الدول على استقلالها، وظهرت أولى الإتفاقيات لتقسيم مياه النيل عام 1902م في أديس أبابا وعقدت بين بريطانيا بصفتها ممثلة لمصر والسودان وإثيوبيا، ونصَّت على عدم إقامة أية مشروعات - سواءٌ على النيل الأزرق، أو بحيرة تانا ونهر السوباط ـ ثم إتفاقية بين بريطانيا وفرنسا عام 1906، وأخرى عام 1929، وهذه الإتفاقية تتضمن إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه‏ النيل، وأن لمصر الحق في الاعتراض في حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده ؛ وهذه الإتفاقية كانت بين مصر وبريطانيا ( التي كانت تمثل كينيا وتنزانيا والسودان وأوغندا ) لتنظيم استفادة مصر من بحيرة فيكتوريا. وتم تخصيص نسبة 7.7٪ من تدفق للسودان و92.3٪ لمصر.

ولكن لأن مصرنا الحبيبة ؛محروسة بعناية الله ونقاء قلوب شعبها الوفي لترابها ونيلها، فقد شهد مجرى نهر النيل هذا العام، أعلى نسبة في مياهه منذ أكثر من 100 عام، وفاضت المياه فيه بسبب الأمطار الغزيرة بالعديد من المناطق فى كل من دولتي أثيوبيا والسودان . 
وهكذا كان رد الأقدار بعناية الله على كل المرجفين الذين يظهرون الشماتة في انخفاض منسوب النيل، فيأتي الخير والنماء على يد "حابي" رمز الخير والنماء والاخضرار في مصرنا الحبيبة . وإذا كانت الأسطورة الفرعونية القديمة تقول إن المصريين في كل عام كانوا يرمون عروسًا حية فى النيل لإرضائه، فإن المؤكد أن هذه الأسطوره هى مجرد حكاية نسبت لمصر خطأ؛ لأن الثابت تاريخياً أن ديانة المصريين ما كانت تسمح بتقديم قرابين بشرية ، ومن هنا كانت قصة العروس الخشبية البديلة .

وعلينا اليوم أن نقدم القرابين المادية لا الأسطورية ؛ وهذا لن يتأتى إلا بالعمل الجاد لزيادة الإنتاجية لخير الوطن، والاستفادة الكاملة من هذا الخير الوفيرالذي بتدفق بين جنبات مصرنا المحروسة ، ولخيرالمصري الذي علم العالم منذ بدء الخليقة كيف يسيطر ويتحكم في مجرى النيل العملاق ويُخضعه على مر آلاف السنين .. ليظل النيل هو هبة مصر.. وإلى يوم يبعثون، ولنا أن نسأل النيل مع شاعرنا /احمد شوقي: 
ومـن السـمَاءِ نـزلـتَ أَم فُجِّـرتَ من * عُلْيــا الجِنــان جَــداوِلاً تـتَـرقرقُ ؟

** أستاذ العلوم اللغوية بأكاديمية الفنون

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر
الدكتورة إلهام سيف الدولة حمدان مع الناس نيوز النيل حابي

محرر الخبر

1 admin
محرر

شارك وارسل تعليق