الأحد, 23 يوليو 2017 04:22 مساءً 0 925 0
الدكتورة إلهام سيف الدولة حمدان تكتب عن الغــــــــــــــدر
الدكتورة إلهام سيف الدولة حمدان تكتب عن الغــــــــــــــدر

الدكتورة إلهام سيف الدولة حمدان تكتب عن الغــــــــــــــدر

يالها من كلمة لها طعم الحنضل: الغدر، هو قتل معنوي مع سبق الإصرار والترصد؛ يصدر عن الإنسان تجاه أقرب الناس إليه؛ وبدمٍ بارد لا تهتز له شعرة ولا يلتفت لضحية غدره، بل يمضي لحال سبيله بحثًا عن غدرٍ جديد يمارسه تاركًا ضحيته مخضبة بدماء فعلته ! حسبنا الله ونعم الوكيل فيمن على شاكلة الغدَّارين من بني الإنسان..

ترى ما سبب غدر الآخرين بنا؟ هل هي عقدة نفسية أم سواد قلبي ولدوا به أو اكتسبوه من قسوة الأيام؛ أم أنهم يذيقون الآخرين غدرًا تجرعوه من قبل كنوع من الانتقام لأنفسهم .. والافتراضات كثيرة لو تتبعنا كل الدوافع التي تزج بالإنسان إلى طريق الغدر وخيانة العهود التي تربطه بمن حوله في محيط أصدقائه أو عائلته أو زملاء الدراسة أو العمل.

 ولكن.. هل كل الخصال السلبية نستطيع التغلب عليها بسهولة ؟ وماذا عن الطبع الردئ الذي يوصف بأنه لا يخرج إلا بصعود الروح إلى بارئها ؟! ولم لا يهتم مجتمعنا بالعلاج النفسي بالعناية نفسها التي تنالها الأمراض العضوية؛ وهي أصعب وأشد فتكًا بصاحبها وإيلاما له ولمن حوله، ناهيك عن الأذى الذي يسببه المرضى النفسيون لأنفسهم ولمن حولهم؛ وهم غير مسئولين وغير واعين بما يلحقونه من أضرار. ولن نخوض في الغدر السياسي ومواقف الدول وحكامها فهذا شأن آخر.. المواطن الذي يعنينا هنا نحرص على الإلمام بكل نمنمة يكابدها سلوكيًا تحديدًا.

فالعلاقات الاجتماعية تتأثر بسلوكيات الأفراد تجاه بعضهم البعض والتصرفات الغادرة لها فعل السحر في تحطيم كيان نفسي للمغدور به؛ ينعكس بالضرورة ويبث سمًا في أجواء المعاملات؛ وينشأ عنها أمراض معذبة كالشك المستمر في الآخرين وانعدام الثقة، مما يخلخل كل العلاقات المبنية على بعضها البعض .

ومن المؤكد أن "الغدر" الكامن في طبائع بعض البشر؛ هو مرض كأي مرض من الأمراض؛ لكنه ليس مرضًا عضويًا في طرف من الأطراف؛ نستطيع أن نحاصره بالعلاج الدوائي أو الكيمائي أو ــ حتى ــ "البتر" إذا استوجب الأمر؛ من أجل الحفاظ على نبضات الحياة، ولكن هذا "الغدر" ــ والعياذ بالله ــ يسكن في تلافيف الدماغ ؛ ويكسو جدران روح "الغادر" بألوان الطيف من الغِل والحقد والنظرة غير السوية للمجتمع ، الأمر الذي يحثه ويدفعه إلى ممارسة هذا الفعل، حتى يتحول إلى "طبع" أصيل بحكم التعود على ممارسة هذا السلوك ! إن الأخلاق ليست مكتسبة على إطلاقها؛ كما أنها ليست في "الجينات الوراثية" على إطلاقها ..

والناس بفطرتهم – مع توفير ظروف الحياة الملائمة – يميلون إلى الصفات الخلقية الخيِّرة، بوازع العقيدة والتربية؛ ويشعرون بالراحة عند ممارسة مثل هذه الأدوار التي تؤمن ـ بالفطرة ـ بقيم الحق والعدل والخير والجمال، كما ينفرون من السلوكيات الشاذة؛ إذ يشعرون بغرابتها عن النماذج الصحية العاقلة، ومن هنا كانت المقولة الشهيرة بأن "الناس معادن" ! والمعدن الأصيل من البشر لا يصدأ ولا يتحول ولا يغدُر ولا تتأكسد مشاعره .

وظني أن طرق التربية في المنزل والدراسة؛ يجب أن تولي اهتماماتها في الدراسة العلمية لأنماط سلوك المجتمع وأسباب الانحرافات الخُلُقية بداخله؛ وحتى نصل إلى خلق أجيال تؤمن بالقيم النبيلة .. كي نضمن ألا تحاصرنا طبائع الغدر التي قد تترعرع في ظروف مجتمعية سيئة؛ فتنحدر إلى الدروب الوعرة لتحارب المجتمع بلا ذنب . ولعلي أكون قد نسيت ـ أو تناسيت ـ أشكال الغدر الرومانسي في علاقات الحب والارتباط في هذه الآونة العصيبة من حياة الشباب والشابات؛ وهذا أمر طبيعي ومن ضروريات الحياة ، فأحيانًا يجىء الهجر أو الغدر غصبًا لظروف طوعية أو خارجة عن الإرادة؛ إما لضيق ذات اليد أو رفض الأهل من أحد الطرفين أو كلاهما للعديد من الأسباب الظاهرة والخفية ! فتتحطم العلاقات على صخرة اليأس؛ فيصِم كل طرف منهما الطرف الآخر بأنه "غادِر" بكسر الدَّال، فـ "غادَر" بفتح الدال ! فكلمة "الغدر" تعطينا تفسيرًا آخر لفظًا ودلالة في لغتنا العربية التي تفسره بأنه ــ ضد الوفاء بالوعد ــ فهو المغادرة والابتعاد؛ وربما ـ أقول ربما ـ قمنا بتسمية النهر الجاري الرقراق بـالـ "غدير" لأنه لا يستقر على حال وفي سفرٍ وترحال و"مغادرة" باستمرارية أزلية لا تتوقف .. وسبحان مقلِّب القلوب والأبصار!

** أستاذ العلوم اللغوية ـ أكاديمية الفنون

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر
الدكتورة إلهام سيف الدولة حمدان الغــــــــــــــدر

محرر الخبر

1 admin
محرر

شارك وارسل تعليق