الاربعاء, 26 ابرايل 2017 10:32 صباحًا 0 669 0
الدكتورة إلهام سيـف الدولـة حمــدان تكتب لـ"مع لناس نيوز".. أُمَّــة اقرأ .. حتمًا ستقرأ !
الدكتورة إلهام سيـف الدولـة حمــدان تكتب لـ

الدكتورة إلهام سيـف الدولـة حمــدان تكتب لـ"مع لناس نيوز".. أُمَّــة اقرأ .. حتمًا ستقــــرأ !

 مقولة شائعة متداولة بين الناس؛ ربما يستخدمونها لتعزية النفس عن انفصام وتفكُّك بعض عُرى وأواصر الصداقة الحقة؛ وتقلص نسبة الوفاء والإخلاص الواجبة في العلاقات الحميمية، واختلاط المفاهيم الحقيقية لوشائج العلاقات الإنسانية .

 وهذه المقولة الشائعة هي: الوِحدة ـ بكسر الواو ـ خيرٌ من جليس السوء ! ومباشرة يقفز إلى الذهن سؤال بديهي : ولمَ الوِحدة والانطواء والتقوقع والانكماش داخل الذات ؟ أو الرضا والاستكانة والقبول بجليس السوء ؟ وهناك " الكتاب" على الأرفف ينتظرك ـ بكل الشوق ـ ويفتح ذراعيه بكل ما يجعلك تحلِّق بين دفتيه في كل العوالم بالعلوم والمعارف ـ شريطة حُسن الاختيار ـ عبر سطور صفحاته المضيئة التي تثري الفكر والوجدان بكل ماهو صالح للحياة السويَّة؛ ويضيف الرونق الجمالي واللمسات الحانية على جفاف بعض جوانب الحياة .

فالكتاب ـ كما يقول الجاحظ ـ : " هو الجليس الذي لا يُطريك، والصديق الذي لا يُغريك، والرفيق الذي لا يَملَّك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق، ولا يعاملك بالمكر، ولا يخدعك بالنفاق، ولا يحتال عليك بالكذب" .

أي أنك أنت صاحب الاختيار الأمثل في صحبته ومصادقته؛ والتعرف إلى ما يحويه من أفكار ورؤى، تتفق وتختلف معها بينك وبين نفسك وقناعاتك، فإذا اكتشفت ـ بعد السباحة بين أمواجه ـ أن مفاهيم كاتبه لا تتفق ورؤيتك ورؤاك؛ نحيته جانبًا والتقطت غيره، ولكن بعد أن يترك بداخلك انطباعات ـ حتمية ـ موجبة أو سالبة عن مفاهيمك قبل مصادقته في رحلة القراءة .

فالقراءة هي أوّل ما أمرنا به الله عزّ وجلّ؛ فقد كانت أول كلمة من القرآن الكريم هي "اقرأ" في أول آية نزلت على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم : "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" ، إشارة إلى أهمية القراءة في حياة الإنسان ، فكل سباحة مع كتاب تنقلنا إلى عالم آخر؛ نشعر فيه بأننا جزء لا يتجزأ منه، ويحضرنا وصف الكتاب على لسان المتنبي : أعز مكانٍ في الدُّنا سرْجُ سابحٍ ** وخيرُ جليسٍ في الزمان كتابُ ! والقراءة ـ في مفاهيم أحد المتخصصين هي : "من المهارات الأساسية التى تركز عليها النظم الحديثة؛ فهي تمكن المتعلمين من الحصول على المعرفة واكتساب المهارات الأخرى، كما تسهم في صنع الفرد وتدعم ثقته بنفسه وتساعد على تنمية لغته، كما أن لها أهمية على المستوى الفردي والمجتمعي حيث تستخدم كوسيلة علاج فعال تحت إشراف الطبيب النفسي أو الأخصائي النفسي حيث يطلق عليها العلاج بالقراءة أو "الببيليوثيرابيا"؛ ولذلك تعتبر القراءة من أهم المعايير التي تقاس بها المجتمعات تقدمًا أو تخلفًا، فالمجتمع القارئ هو المجتمع المتقدم الذي ينتج الثقافة والمعرفة، ويطورها بما يخدم تقدمه وتقدم الإنسانية جمعاء، إنه المجتمع الذي ينتج الكتاب ويستهلكه قراءةً ودرسًا، كما إنها تروِّض الفكر على سلامة الفهم والمراجعة والتمحيص، وتنمي القدرة على النقد وإصدار الحكم، وتشكيل الفكر الناقد للفرد وتنمية ميوله واهتماماته".

وكان من أوائل المكتبات التي أُنشئت قديمًا مكتبة الإسكندريّة على يد اليونان قبل الميلاد؛ فعكست حضارة اليونان وثقافتهم واهتمامهم بالكتابة والكتاب، ثم استمر الاهتمام بالكتاب حتى جاءت الحضارة الإسلامية لتوليه رعايةً خاصة، ومن بين الخلفاء المسلمين الذين اهتموا به وما ينطوي عليه من علوم الخليفة العباسيّ "المأمون" الذي جعل لكلّ من يقوم بترجمة كتاب أجنبي وزنه ذهبًا، وأسَّس دارًا أطلق عليها "بيت الحكمة " كانت أشبه بالمكتبة العامّة والمجمع العلمي الذي يلتقي فيه العلماء والفلاسفة ويتناقشون ويتحاورون فيما بينهم، فالكتاب في حياة الإنسان هو سجل للتّاريخ قديمًا وحديثًا، فنحن نعرف تاريخ الشّعوب والحضارات السّابقة من خلال الكتب التي سطرها المؤرخون بمدادٍ من ذهب، فلولاه لأصبحت أخبار كثيرة من تلك الحضارات في طيّ النسيان ؛ فهناك الكثير من كتب الآثار التي ذهبت بالقارىء إلى بلدان بعيدة ما كان يمكن للإنسان التّعرف عليها لولا الكتاب، ومثال ذلك الرّحلات التي قام بها "ابن بطوطة" ودوّنها في كتابه الشهير "تحفة النُّظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" .

ويعد الكتاب أداة ترفيه عن النّفس والتسلية، ومثال ذلك أيضًا كتب الطرائف والقصص المضحكة عن البخلاء والأغبياء وغيرهم ككتاب "البخلاء" للجاحظ، وكتاب "الأذكياء" لابن الجوزي، بالإضافة إلى الشعر والأغاني وعلوم الفلك والطب والرياضيات ... إلخ ،وأخيرًا الكتاب كمعبّر عن مدى تقدّم الإنسان ورقيّه، فالإنسان الذي يعتمد على الكتب في مجال عمله وحياته هو إنسان يسعى للتّقدم والتّطور والوصول إلى الأرقى والأرفع . ويؤلمني دائمًا ما يتداول على ألسنة البعض؛ من أن أُمَّـة "اقرأ" .. لا تقرأ ! فهي مقولة تحتاج إلى المراجعة والفحص والتدقيق والتمحيص؛ فهي صحيحة من جهة انحصار القراءة في نطاق محدود؛ ومجافية للواقع من جهة أخرى؛ فالحقيقة أن الغالبية العظمى تقرأ بالفعل .. ولكن ماذا تقرأ؟ إنهم يقعون فريسة لبراثن القراءة التي لا تعطي للعقل حق المناقشة والخلاف والاختلاف؛ فالقراءة تنحصر في أوراق التراث الفكري والعقائدي الذي يشترط عليك ـ قبل القراءة ـ الأخذ به كمسلَّمات لا تقبل الجدل أو المناقشة؛ وعليه يتم إغلاق منطقة التفكير والتدبر في العقل الباطن، ليصبح كالأسفنجة اللينة التى تمتص وتستوعب؛ دون إعمال لملَكة الفكر الذي وهبه الله لعباده الأسوياء؛ ومن الطبيعي ألا تفرز تلك العقول إلا ما استقت من نبعه ! فهلاً وضعنا نصب أعيننا مواطن القصور في التلقي المعرفي لدينا؛ حتى نضع العلاج الذي منه ـ في اعتقادي ـ ضرورة الانتقاء لأمهات الكتب على تنوعها كلُ بحسب ميوله في الاختيار؛ والغوص في أعماقها قراءةً وفهمًا وتطبيقًا وإعمالاً للعقل؛ لإطلاق قناعات القارىء الشخصية وتشكيلها؛ حتى يحق لنا أن نفخر ونقول : أن أُمَّـة "اقرأ" .. حتمًا ستقرأ .. وتفهمً وتعي!.

 

** أستاذ العلوم اللغوية - أكاديمية الفنون

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر
إلهام سيـف الدولـة حمــدان اقرأ

محرر الخبر

1 admin
محرر

شارك وارسل تعليق