الدكتورة إلهام سيف الدولة حمدان تكتب لـ"مع الناس نيوز": ربيع الحياة.. المرأة
مارس.. ربيع شهور السنة؛ والمرأة.. ربيع الحياة ! من هنا كان الارتباط الوشيج ومكمن السر في الاحتفال بيوم المرأة المصرية في شهر مارس؛ فيجئ يوم المرأة العالمي في الثامن منه؛ ويوم المرأة المصرية في السادس عشر؛ ثم الاحتفالية الكبري وقمة التكريم للمرأة في الحادي والعشرين منه؛ ويطلق عليه "عيد الأم"؛ كناية عن أن الأم هي المرأة الممثلة لكل نماذج الحياة من حولنا؛ فهي الأم والأخت والابنة والخالة والعمة والصديقة والحبيبة؛ وبئر الحياة الذي لا ينضب معينه؛ ويعطينا نبضات القلب والروح .
وحسنًا فعلت البشرية حين ربطت هذا الشهر الربيعي الدافئ المقترن بعودة الاخضرار إلى أوراق الشجر، وتفتح الزهور والبراعم؛ بالاستئثار بالاحتفال فيه بـ"عيد الأم ": فهي الحضن والملجأ والملاذ والسكينة، وهي كالأرض رمز الخصب والنماء؛ إنها "المرأة / الأم" التى تهب الحياة لكل من هم على ظهر البسيطة؛ والتي تنتج أعظم "سلعة" في الوجود وهي الإنسان!.
وعجبًا أن نرى البعض ممن يهاجم وجود المرأة في الحياة العملية والساحة العلمية والأكاديمية والمحافل الاجتماعية، وهي التي منحته الوجود وأنفاس الحياة؛ وكأن هؤلاء يريدون حجبها خلف الأستار والحُجب والعودة بها إلى عصور الجاهلية الأولى؛ التي شرعت "وأد" البنات.. لأنهن رجسُ من عمل الشيطان؛ ويتعامون عن دورها الفاعل في حياة البشر، فلولاها لما كان للوجود وجودًا من الأساس .
وفي الحقيقة.. لم تكن "المرأة" في حاجة إلى ميثاق الأمم المتحدة الذي تم توقيعه في العام 1945 كأول اتفاقية دولية تؤكد مبدأ المساواة بين الجنسين؛ فالمرأة قد انتفضت لاقتناص حقوقها المشروعة منذ خرجن في العام 1856بشوارع نيويورك للاحتجاج على الظروف أللا إنسانية التي كن يجبرن على العمل فيها، ما دفع المسؤولين السياسيين إلى طرح مشكلة المرأة العاملة على جدول الأعمال اليومي.
وفي 8 مارس/آذار عام 1908عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر من جديد في شوارع مدينة نيويورك وهن يحملن شعار "خبز وورود" في خطوة رمزية للمطالبة بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال، ومنح النساء حق الانتخاب، وكانت هذه المسيرة بداية تشكل حركة نسوية داخل الولايات المتحدة بعد انضمام نساء من الطبقة المتوسطة إلى موجة المطالبة بالمساواة في الحقوق، منها الحقوق السياسية وعلى رأسها الحق في الانتخاب.
ونعلم أنه طالما لعبت المرأة في مصر دورًا مؤثرًا في السياسة والمجتمع المصري منذ عهد الدولة الفرعونية، فقد عملن مع أزواجهن فى زراعة الحقول، وجني المحاصيل، بينما عملت أخريات كبائعات في الأسواق؛ كما عملن كموسيقيات ومغنيات ويظهر ذلك في النقوش الفرعونية الشهيرة، وتقول كتب التاريخ: "لقد تعلمت بعض النساء المصريات وعرفن القراءة والكتابة، وعملن ككاهنات، وكاتبات أو طبيبات، وتعد "ميرت بتاح" أول امرأة طبيبة يذكر اسمها، وربما تكون أول امرأة في التاريخ تعمل في مجال العلوم، واستطاعت بعض النساء من ذوات الدم الملكي الوصول إلى عرش الدولة الفرعونية؛ كما في حالة "الملكة حتشبسوت" التي تولت العرش من بعد زوجها "تحتمس الثاني"، وحكمت مصر لمدة 20 عامًا، وتميز عهدها بقوة الجيش والبناء والرحلات التي قامت بها، وعَبَدَ المصريين العديد من الآلهات الإناث مثل "إيزيس" وهي ربة القمر والأمومة لدي قدماء المصريين، و"حتحور" إلهة السماء والحب والجمال، والأمومة، والسعادة، والموسيقى، والخصوبة المجسدة في شكل سيدة تحمل قرص الشمس".
إذن.. لنا أن نتساءل: لماذا نرى هذه الأيام؛ تلك الهجمات الشرسة على تصدر المرأة المصرية للقيادة في شتى المجالات؟ وهي التي تسلحت بعلمها ونجاحاتها المبهرة في ميادين كانت وقفًا على الرجال؛ فرأيناها تتبوأ مناصب عدة بداية من المعلِّمة إلى مقعد الوزارة، إلى منصب "المحافظ " أخيرًا، إلى قيادة الطائرات في نموذج "الكابتن طيار/ ماجدة ملاك" أول كابتن طيار في مصر.
والعجيب أن من يهاجم المرأة ودورها الفاعل في المجتمع؛ يتعلل ببعض المقولات التي وردت في التراث الديني على لسان المجتهدين الذين قاموا بالتفسير بحسب أهوائهم الشخصية .
وسنرد على هؤلاء ببعض الوقائع التي تجاهلوها ـ عمدًا ـ في التراث؛ لأنها لا تتماشى مع توجهات ضمائرهم؛ ونذكرهم بأم عمارة "نسيبة بنت كعب الأنصارية" التي (توفيت سنة 13 هـ)، وشاركت في عدد من غزوات "النبي محمد" صلى الله عليه وسلم وبعض معارك حروب الردة؛ وكانت من أوائل أهل يثرب دخولاً في الإسلام، فقد كانت إحدى امرأتان بايعتا النبي محمد في بيعة العقبة الثانية.
ولما هاجر النبي محمد إلى يثرب، كانت من المخلصات في نشر الدين، فشاركت في غزوة أحد مع زوجها وابنيها، لتسقى الجرحى وتطبّبهم، لكنها بعد أن دارت الدائرة على المسلمين قاتلت هي وزوجها وابناها دفاعًا عن النبي محمد وأبلت بلاء حسنًا، فدعا لهم النبي محمد أن يكونوا رفقائه في الجنة؛ ولم يقل لها: ارجعي إلى بيتك، والتصقي خلف الجدران!.
إذن.. دعونا نترك للزمن الحكم على هذه التجارب الرائعة؛ بوجود "المرأة" فى صدارة المشهد بمصرنا المحروسة؛ ولنحتفل ـ بكل الحُب ـ بشهر "مارس" الذي يناصر المرأة في كل عام؛ ويدفعها إلى الوجود بقوة في حياتنا الآنية، فهي رمز الحياة ومفتاحها الذي يفتح أبواب المستقبل بكل الخير والنماء.
فالمرأة وإن كانت تمثل نصف المجتمع؛ فهي الراعية لنصفه الآخر بلا جدال، وهي الكيان الجميل الذي تقف كلمات العالم بأثره عاجزة أمام عظمتها علي مر العصور .
تحية تقدير وإعزاز للمرأة في كل ميادين الحياة
** أستاذ العلوم اللغوية ـ أكاديمية الفنون