يوميات من قريتنا الحبيبة " أبو سكين "
السعيد عبد العاطي مبارك الفايد - مصر
==============
( ذكريات مع القمر المخنوق و عمتنا الحاجة هندية ٠٠ !! )
يا بنات الحور سيبوا القمر يدور
يا بنات الجنة سيبوا القمر يتهنا ٠٠
فاطمة بنت النبي طابخة أرز بلبن ٠
٠٠٠٠٠٠٠٠٠
تعود هذه اليوميات و الذكريات بنا حيث كنا نحن في أيام الطفولة و في مرحلة التعليم الأولى قبل أن ندرس في العلوم و الجغرافيا و التربية الدينية " ظاهرة الكسوف و الخسوف للشمس و القمر " ٠
كان يحدث في سماء قريتنا ليلاً ظاهرة تسمى ( خنق القمر ) فجأة يغيب القمر في السماء و يحجب عن الطلوع و الضوء و تمسي القرية لحظات في ظلام دامس بسبب اختفاء القمر ، أضف لعدم دخول الكهرباء آنذاك ٠٠
حيث البيوت و المنازل دور واحد ومستوى متوازيا فيغمر نور القمر القرية بالكامل كأنها ساعة من نهار ٠
و عندما يتأخر طلوع القمر كأننا نعيش في ليل حالك ٠٠
و تبدأ قصة ( القمر المخنوق ) كنا نلعب في بعض الأماكن الواسعة بمثابة " جرن " أي ساحات وفراغات أمام البيوت تستخدم في المناسبات و مواسم الحصاد ٠٠
و فجأة نسمع من أهلنا الكبار صيحات و نداءات يلفها نبرات الحزن و الغضب فينتابنا الخوف و الذعر و القلق ونحن نلعب في حلقات و تجمع في صدارة مدخل القرية ٠
حيث تعلو الصيحات من الجميع ( الله أكبر ٠ الله اكبر ٠٠ سرقوا القمر )
فنتعجب ونهرول إلى مصدر الصوت - و ربما تعودنا عليه و قد ألفناه من بعد ذلك - فنجد عمتنا الحاجة " هندية " تجمع حولها لفيف من أهلنا الكبار و نحن ننضم جميع الصغار ٠٠
و تخطب فينا في حماس : البُعدا يا ولاد سرقوا القمر و عاوزين نجمد حتى نرجع القمر ٠٠
و نجوب أرجاء القرية و الامتدادات المجاورة و المتاخمة لها حيث يقطنها بعض أهالينا أيضا ٠
بداية من المسقى البر القبلي و البر البحري والطرقا وعزبة السعيد و عزبة غازي و الكوبري ٠٠ الخ ٠
و يحمل الجميع غطاء الحلل و الأواني النحاسية و الألومنيوم و الصفائح و الطبلة هكذا ٠
ثم تنشد عمتنا الحاجة هندية و الجميع يهتف خلفها بأمانة و إخلاص شحنة ونوبة جهاد حتى يعود القمر مرة أخرى سالما معافيا من الخطف و الخنق ٠٠
فتقول :
الله أكبر ٠٠ الله أكثر
صلوا على النبي ٠٠
يا بنات الحور سيبوا القمر يدور
يا بنات الجنة سيبوا القمر يتهنا
يا بنات الحور صلوا على الرسول ٠
فاطمة بنت النبي طابخة أرز بلبن حلفت ما تذوقه إلا ما يعود القمر و يحلى تاني السهر ٠٠
ثم تصيح غنوا يابنات غنوا يا عيال بشدة و بقوة و الله لو فضل القمر على حاله هتعيشوا في الضلمة ليوم القيامة
فيخاف الجميع و يخلص في هذا العمل بإتقان تتوحد المشاعر مع العقل الجمعي ٠٠
و عندما نمر عند بعض المنازل يصادف وجود بعض إخوتنا الكبار من المتعلمين في الجامعة ربما يكونوا متواجدين في أجازة الصيف ٠
فيقولون للموكب :
يا جماعة هذا خسوف للقمر بيحدث كل فترة ويشرح لنا في عجالة :
خسوف القمر هو ظاهرة فلكية تحدث عندما يحجب ظل الأرض ضوء الشمس المنعكس على القمر ٠٠
وفيه صلاة الخسوف ٠٠
و هذه خرافة وأساطير وجهل ٠٠
الكل يتهكم و يسخر من المتعلمين و يسيروا كما كان الحال ٠٠
فيخرج المرحوم الأستاذ سيد أخو عمتنا المرحومة " الحاجة هندية " وكان بكلية التجارة و يقول لها يا هندية :
هذا غلط فيه خسوف ٠٠
فترد اسكتوا يا أفندية احنا كنا بنشوف الذين قبلنا بيحافظوا على القمر ٠٠
وعشنا كم مرة ورجعنا القمر من بنات الجنة الذين خطفوه مننا قبل كده غلبناهم بالدعاء هذا ٠
إحنا لا نعرف خسوف و لا كسوف من كلامكم الجديد ده ٠
وتمضي المسيرة بعد التوقف فترة قصيرة أشد من الأول ونلف و ندور حول البيوت و ويعلوا الهتاف و الزغاريد و الطبل و الإنشاد مرات أكثر ٠٠
و فجأة يطلع ويسطع القمر ٠٠
وتنتصر الحاجة هندية و فريقها بهذا الفتح المبين و النصر المؤزر على المعارضين ٠
و الكل يبارك لها على دورها الريادي حيث كان لها منزلة في كل أفعال القرية تتقدم و تنجز في الأفراح و العزاء و مواسم الحصاد و الأزمات و الحريق والعادات الشعبية ٠٠ هلم جرا ٠
و قد شاركنا مرات عديدة في هذا الحدث المتكرر عندما يختفي القمر يكون الخروج المنظم إلى أن يرجع القمر كحاله الأول بعد فترة ٠
* هذه كانت الخلاصة من مرات متكررة للقمر المخنوق الحديث عن الذكريات فيها تطول ٠٠
و في النهاية إننا لا ننسَ هذه الأيام و الذكريات الجميلة البسيطة و المواقف النبيلة لعمتنا الحاجة هندية الله يرحم الجميع وحفظ الله أهلنا وقريتنا الحبيبة " أبوسكين " دائما ٠
مع الوعد بلقاء متجدد إن شاء الله