قد نختلف أحيانا ، وقد نختلف كثرا ، وهذا يعد طبيعيا بل وصحي جدا ، فلا يوجد حولنا شئ في الكون تم الإجماع عليه ، إلا الموت الذي يمثل الحقيقة الوحيدة الراسخة في أذهان وعقول الجميع ، وإن اختلفت معتقداتهم أو مذاهبهم أو ثقافتهم .
ولكن في الوقت ذاته ، فإنه يأتي على الأقوام والشعوب أوقات عصيبة ولحظات تاريخية ، تتطلب بل وتستلزم ليس فقط نبذ الفرقة ، وإزاحة الخلافت والنزاعات ، ونسيان التعصب ، وإنما الإتحاد صفا واحدا تحت لواء واحد ووراء هدف واحد ، وذلك عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي أو الحقوق المشروعة ، بل وأستطيع القول بأن الأمر صار " الحفاظ على حقوق جيل حالي وأجيال لاحقة " .
كانت تلك هي المقدمة التي سبقت حديثي عن الساعات القادمة التي ينتظر فيها العالم ، كيف ستحافظ مصر على حقوق 110 مليون نسمة ؟ وأنتم تؤمنون بأنني أقصد أزمة سد النهضة .
نحن أمام الجانب الإثيوبي ، الذي ظهر جليا أنه لا يعبأ بأحد ، بل وتحدى بكل الإتفاقيات أو الإلتزامت والقوانين عرض الحائط ، مما ينذر بتطورات خطيرة وحالة من حالات التوتر وعدم الإستقرار في المنطقة كلها ، وخاصة بعد إعلان إثيوبيا الأحادي عن البدء في الملء الثاني لسد النهضة .
هل أصبحنا مطالبون أمام المجتمع الدولي بأن نلتزم بالمواثيق والمبادئ ، في وقت تغاضى عنها وانتهكها الطرف الإثيوبي وسلط طريق فرض الأمر الواقع على مصر والسودان ؟
وحسنا فعلت وزارة الخارجية المصرية ، عندما أرسلت خطاب الموجه من وزير الموارد المائية والري إلى الوزير الإثيوبي ، إلى رئيس مجلس الأمن بالأمم المتحدة قبل ساعات قليلة من جلسة مساء أمس الخميس ، حول أزمة سد النهضة ، وأكدت أن هذا الأمر هو تطور خطير جيدا ، ويزيح الستار مجددا عن سوء نية الجانب الإثيوبي ، والإصرار الغبي في اتخاذ إجراءات أحادية دون إتفاق مع الجانبين المصري والسوداني يراعي ضمان الحقوق التاريخية من المياة ، وعدم الإضرار بمصالح أيا من الدول الثلاث ، ولكنه اختار تصعيد حدة التوتر في المنطقة ، وخلق حالة من الغضب قد تهدد الأمن والسلم عالميا .
نحن لسنا دعاة حروب ودمار ، ولكننا لا نتهاون في حق من حقوقنا ، نحن لسنا دعاة فوضى وخراب ، ولكننا لا نصمت على أي تجاوزات أو قرارات غير محسوبة . ولعل ذلك ما عبر عنه الرئيس السيسي أواخر مارس الماضي ، عندما قال " أن المساس بمياه مصر خط أحمر، وماحدش هيقدر يأخذ نقطة مَيّه من مصر واللي عايز يجرب يجرب " .
نحن يا سادة ، لن نقف مكتوفي الأيدي أمام الجانب الإثيوبي ونتركه يتحكم في مرور المياه لمصر دون أن رادع له ، خاصة وجميعنا يعلم أن نهر النيل هو نهر دولي طبقًا للقانون الدولي ولا يجوز بناء سدود عليه دون موافقة الدول المتضررة منه .
أليست هذه الأوقات العصيبة كافية بأن يصطف المصريون في الداخل والخارج خلف قيادتهم ؟ أليس من واجبنا الوقوف خلف الوطن المستهدف ومساندته في مواجهة خطط أهل الشر ، والعبور بمصر من غياهب الفتن والحفاظ على تلاحم نسيجها الوطني ؟
هذا الوقت يا سادة هو وقت اللمة ، وشحذ الإرادة والهمة ، ولن أقول إلا " اللهم قد بلغت .. اللهم فاشهد "
وأخيرا ودائما .. تحيا مصر في أمان ورخاء في ظل شعب واعي يلتف حول قيادته السياسية وأبطال الجيش ورجال الشرطة ، الذين يؤمنون أن الولاء للوطن أغلى من الحياة ذاتها ، وأقسموا بل ونفذوا وقدموا أرواحهم الطاهرة حفاظاً على أمنه واستقراره .