في بداية مقالي أُذكر بالندوة العلمية التي نظمتها السفارة الإثيوبية في إسرائيل في نوفمبر من العام الماضي عن التقسيم المتساوي لمياه النيل بحضور الدكتور "حجاي إيلرخ" المتخصص في الشئون الإفريقية بجامعة تل أبيب، وكان أهم الحاضرين فيها، السفير الإثيوبي في إسرائيل، سفير جنوب السودان في إسرائيل، سفيرة دولة غانا في إسرائيل.
وأهم ما جاء في الندوة ولفت نظري، على لسان دكتور "حجاي إيرلخ" وكان «وَاضِحُ النَّبَرَاتِ» فيها من حقد وكره دفين لمصر عندما قال؛ إن فكرة "الحقوق التاريخية في النيل" لا تزال تسيطر على عقل المصريين، والمصريون يتجاهلون إثيوبيا دائماً عبر التاريخ رغم أن ماء النيل ينبع من أرضها، وليس أدل على ذلك من عدم دعوة إثيوبيا لحضور حفل إفتتاح السد العالي مثلاً، وسد النهضة هو زلزال مدمر ضرب مصر، وعقل المصريين لا يستوعب بعد، أن مرحلة جديدة في التاريخ تبدأ الآن بوجود سد النهضة.
مواصلاً؛ سنرى قريباً بحيرة السد العالي وهي تفرغ من المياه خلال سنوات قليلة، وحينها ستنتظر مصر المياه الآتية من إثيوبيا كل عام، ولن تتولد كهرباء من السد العالي ما يجعلني «متفائلاً»، وعلى القيادة المصرية تتفهم أن مرحلة جديدة في التاريخ قد بدءت، ومهما طالت المفاوضات، فهي لا تعني الكثير أصلاً، السد موجود، و سيتم الملء، وستتحكم إثيوبيا في النيل مؤكداً؛ أن هذا ليس مجرد سد، ولكنه أداة تحكم في النيل.
•• من هنا أقول:
إن تواصل إثيوبيا في تعنُتها رغم الدور الأمريكي الجديد بشأن تعبئة سد النهضة، وإعلان مجلس الأمن القومي الأثيوبي مؤخراً بأن أديس أبابا ستقوم بالتعبئة الثانية في موعده المحدد يشكل تحولاً سياسياً حقيقياً في قضية سد النهضة، يُعد بَلاَهَة بـ «اللاَّمُبَالاَةُ بِهَا وَطَرْحُهَا جَانِباً مَعَ العِلْمِ بِهَا» أو تغافُل تام لدول المصب هو الوجه الآخر لـ إسرائيل،فهنّا نقول إن إثيوبيا وإسرائيل «وجهان لعمله واحده » في تناول القضايا الشائكة بين البلدان.
•• المراوغه الخبيثة والوجه الآخر في تناول القضية:
العبثية التي تتعامل بها إثيوبيا مع دول المصب «مصر، السودان» في ملف سد النهضه تُذكرنا برحلة إسرائيل مع الدول العربية على مدار 60 عاماً ماذا حصد العرب؛
نري أن الإستراتيجيه التي تنهجها إثيوبيا مع دول المصب في قضية السد هي نفس إستراتيجية إسرائيل في قضية القدس المحتله مفاوضات ثم مفاوضات وأوسلو وعرفات وغيرها من المسميات وفي النهاية لم يحصد العرب شيئ والحصاد «صفر» وهذا ما تفعلهُ إثيوبيا.
وإعلان مجلس الأمن القومي الأثيوبي المستفز بالتعبئة الثانية في موعده المحدد يُشير إلى أن إثيوبيا بموقفها هذا تكون قد نقلت ملف سد النهضة من أيدي التقنيين وحولت الموضوع إلى أكبر سلطة سياسية في البلاد وهي مجلس الأمن القومي الإثيوبي، وبهذا الموقف تكون إثيوبيا قد دخلت مرحلة التحكم والسيطرة، ونصبت نفسها كـ مقرر وحيد لجملة القضايا المرتبطة بسد النهضة.
•• الألاعيب والمناورت الخبيثه لـ تحقيق الأجندة القائمة بمساندة الوجه الأخر
خبث تدخُل الأمن القومي الإثيوبي وإستبعاد التقنيين المعنيين بهذا الشأن «قضية سد النهضه» لتقوم أديس أبابا بصناعة جملة من الذرائع لتبرير موقفها من السد على المستوى الداخلي، ومحاولة إقناع المجتمعي الداخلي والخارجي بأن مصر والسودان لهما يد في الصراعات والإنتهاكات التي تقع بالداخل الإثيوبي.
•• الدور الأمريكي الجديد في إدارة الملف
بدأ الدور الأمريكي بحث قادة مصر وإثيوبيا والسودان على التعاون لحل نزاعاتهم بشأن سد النهضة، بينما أكدت أديس أبابا أنها متمسكة بالتعبئة الثانية للسد رغم الضغوط، وعلى جانب آخر يُؤكد؛
جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي في بيان له، إستعداد بلاده للعمل مع حلفائها وشركائها لتعزيز السلام والإزدهار المشتركَين في عموم القرن الأفريقي .
وقال؛ إن عمل المبعوث الأمريكي الخاص بالقرن الأفريقي جيفري فيلتمان سيعتمد على الجهود الأمريكية المستمرة لمعالجة الأزمات الملحة، وكان وزير الخارجية الأمريكي قد أعلن تعيين الدبلوماسي السابق جيفري فيلتمان مبعوثاً أمريكياً خاصاً بالقرن الأفريقي.
ونقل بيان للخارجية الأمريكية عن بلينكن حيثُ أبدت قلقها من تجدد الصراع في إقليم تيغراي الإثيوبي، بالإضافة إلى تصاعد التوترات بين إثيوبيا والسودان، والنزاع بشأن سد النهضة، وكانت إثيوبيا إتهمت، "السبت" الماضي قوى داخلية وخارجية بالعمل على تهديد إستقرار البلاد، مؤكدة؛ أن الضغوط لن تحول دون ملئ سد النهضة وإجراء الإنتخابات في إشارة منها إلى (مصر، السودان).
وأشير أيضاً إلى بيان مجلس الأمن الوطني الإثيوبي، الذي صدر عن رئاسة الوزراء، والذي قال فيه إن قوى داخلية وخارجية لم يسعها تعمل على إغراق البلاد في صراع وفوضى، مشددً؛ أن المجلس في إجتماع عُقد برئاسة رئيس الوزراء "آبي أحمد" على أنه ورغم المؤامرات والضغوط التي تمارس علينا سنقوم بعملية الملئ الثاني لسد النهضة في الموعد المقرر.
•• صناعة جمل من الذرائع لـ تبرير موقفها ومحاولات تمرير الملئ الثاني
أكاذيب أخرى تُضاف إلى سابقها تُرددها إثيوبيا بأن هناك حملات سياسية، وضغوطًا قويه تُمارس على أديس أبابا وذلك للنيل من الأمن القومي الإثيوبي، وأن هناك تصعيداً سياسياً وعسكرياً من قبل أطراف خارجية، وأفراد داخلية يسعون لحرمان أثيوبيا من حقوقها وذلك من خلال التدخل في قضايانا الداخلية.
وتابع نشهد حرباً بالوكالة، وذلك من خلال تسخير أفراد داخل إثيوبيا لتأجيج الوضع الداخلي، نحن مع إيجاد حل توافقي لسد النهضة، لكن إثيوبيا لن تخضع للضغوطات الخارجية مبرزاً في ذات السياق أن قضية السد هي قضية قومية توافقية تهم الشعب الإثيوبي بجميع أطيافه.
وختامًا؛ إن موقف مجلس الأمن الإثيوبي يوضح أن إثيوبيا لم تعد معنية بالمصالح الإقليمية لدول النيل الأزرق، وأنها اليوم أرسلت جملة من الرسائل الواضحة والصريحة تُمثل تحدياً صريحًا لـ (مصر، والسودان)، وإجراءات أحادية رافضة لكل الدعوات الإقليمية والدولية وهذا يُحقق الأجندة الخارجية على حساب الشعب المصري والسوداني، وهذا غير مقبول ويجب على القيادة المصرية والسودانية مواجهةُ بكل حسم قبل فوات الآون مهما كانت التكلفة.
