عبد الرحمن شهاب يكتب: الجيش المصرى.. الأول فى التاريخ
عندما تعرضت مصر، لأول مرة لغارات من قبل البدو علي حدودها في بداية الأسرة الثالثة في حوالي عام ٢٦٨٦ ق.م سارع فرعون مصر في ذلك الوقت( زرسر) بوضع اللبنات الأولي في بناء جيش مصري ثابت.. ويمكن أن نعتبره أول جيش ثابت في تاريخ العالم، وكان الفرعون نفسه يتولي قيادة هذا الجيش .
في العصر الفرعوني كان الجيش قسما إلي عدد من الفيالق، في كل فيلق عددا من الفرق، ويسمي قائد الفيلق (أمرامشع). وكانت الفرقة تسمي (عيرو)، وتنقسم إلي عدد من السرايا.. ويسمي قائد الفرقة "خرب".
تضم السرية حوالي ٢٠٠ فرد، وتنقسم إلي عدد من الفصائل كل فصيله ٥٠ فردا ويطلق علي قائد السرية (تاي سريت)، ويسمي الجندي (نفر) أي الشاب المتباهي .
كما كان لمصر القديمة أسطول يتكون من عدد كبير من السفن يصل طول بعضها إلي حوالي خمسين مترا وتسمي (دبت عات)، أي السفينة العظيمة .
وقد بلغ عدد سفن البعثات التي أرسلها الفرعون (زوسر ) إلي لبنان لإحضار خشب الأرز حوالي أربعين سفينة في البعثة الواحدة، وكان المشرف علي الأسطول يسمي (مدب دنت) أي باني السفن، وكان جميع أفراد الأسطول مستديمين وليسوا مجندين .
وكان من الضروري لإدارة الجيش إنشاء مصلحة تسمي "بيت الأسلحة"، ويتبعها أقسام التموين والتسليح وبناء سفن الأسطول والمكاتبات العسكرية .. ولكي يتم توفير الأمن للبلاد كان لزاما أن يكون هناك دفاع عن الحدود المصرية ضد إغارات، لهذا الغرض تم تقسيم حدود مصر إلي مناطق أطلق عليها اسم (أبواب المملكة) يحكم كل منطقة منها موظف ويحميها حصن به حامية ثابتة .
تطور الجيش الفرعوني (٢١٨١ - ٢٠٤٠ ق.م) في عهد الدولة القديمة ..ثم تطور في عهد الدولة الوسطي من ناحية التدريب والتسليح ، فأصبح هناك ضباط متخصصين متفرغين ، كما أصبح للجيش مظهر واحد في الزي والتسليح وظهر الاهتمام الواضح بالتدريب العسكري واهتمام خاص باللياقة البدنية.
أما مكونات الجيش، اشتملت علي حملة الرماح الذين كانوا يسيرون في أقسام، كل قسم عشرة صفوف، وفي كل صف خمسة جنود وكان لهم زي خاص، مسلحين برمح وخنجر ودرع، ثم الرماة الذين كانوا يرتدون زيًا أبسط من زي حملة الرماح. مسلحين بقوس مع مجموعة من السهام في جراب من جلد.
تعتبر الفترة من (١٥٥٢-١٠٨٥ ق.م) عصر تطور شامل في طبيعة الجيش المصري ومكوناته ونظرياته العسكرية. فقد اعتبر بحق عصر الأمبراطويات المصرية العظيمة، وعصر البطولات والأمجاد العسكرية وكان لهذا التطور أسباب كثيرة منها.. ضياع الشعور بالأمن والأمان الذي تمتع به المصريون خلال عصورهم السابقة نتيجة لاحتلال الهكسوس لمصر ، وهو أول احتلال أجنبي في التاريخ المصري مما جعل المصريين يعتنقون مبادئ جديدة تحتم عليهم فرض السلام بالقوة في المنطقة.
اختلف تنظيم الجيش المصري في هذا العصر، حيث أصبح يتكون من المشاة والعجلات الحربية التي يجرها الحصان وكان سلاحا هجوميًا مع الاهتمام بتربية الخيول كما نجحوا في إدخال عدد كبير من العربات لنقل الإمدادات التي كانت تجرها الثيران والحمير .
كان من الضروري أن تكون هناك إدارة لتنظيم شئون الجيش.. وتم تشكيل عددا من الإدارات أهمها إدارة الحدود، وكانت تضم وهي مسئولة عن الحدود المصرية وتضم ثلاثة أقسام ..قسم الحدود الشرقية.. وكان مركزة حصن "سيلة" وهي تل أبو حيفة الحالية ويتحكم في خطوط الاقتراب المؤدية إلي فلسطين ويسيطر علي التحركات في منطقة الحدود المصرية..وقسم الحدود الغربية، ومدير هذا القسم يسمي (حارس باب الغرب) ولم يكن يتبعه حصون بل كان يقوم بالحراسة (شرطة الصحراء)، وقسم الحدود الجنوبية.
جيش من أجل مصر
كان الاعتقاد السائد قديما أن الجيش جيش الفرعون.. ولكن اعتبارًا من الأسرة ١٨ أصبح يطلق علي الجيش المصري اسم جيشنا) .. ومعني ذلك أن جيش مصر صار جيشا للشعب المصري.. وأن الحرب الذي يقودها هذا الجيش ليست حربًا تخص الفرعون وحده لكنها حرب تهم كل مواطن في مصر.
في أرجاء العالم المعروف حينذاك.. فى الشام والعراق والنوبة واليمن والصومال وفي ليبيا ارتفعت أعلام (جيشنا) أعظم الجيوش، وأقواها ليسطر ملاحم بطولية.. يرددها الأبناء والأحفاد علي مر العصور يرددون فيها عظمة جيشهم الذي اخذ ينشر السلام والأمن في بقاع العالم وقتئذ، ويبني ويرفع أول أمبراطورية في تاريخ البشرية .