كتب - سمير البحيرى
في عام 1905 كتب فلاديمير لينين " أن هناك عقودًا لا يحدث فيها شيء، ثم تأتي أسابيع يحدث فيها ما قد لايحدث في عقود "، وتبدو مقولة لينين صحيحة، وهو ما أمامه العالم الآن بالفعل ففي الأسابيع القليلة الماضية، منذ أن اجتاح فيروس كورونا العالم، يبدو بالفعل أن مسار التاريخ الحديث قد تّغير بشكل حاسم، ونحن نرى العالم ينهار أمام أعيننا، والعرب ليسوا ببعيدين عن الأزمة، فمنذ بدايتها، لم تبادر دولة عربية واحدة التواصل مع الأخرى، رغم أنهم جميعا أمام "أزمة إنسان. أزمة مواطن. أزمة معيشة. أزمة صحة "، ودعت الدول الأعضاء في الإسكوا إلى العمل معا في تعاضد وتضامن من أجل تخطي هذه المحنة بأقل خسائر بشرية ممكنة، والتفكير من الآن فيما بعد أزمة كورونا، وهو ماغاب عربيا، وتجاهل الأنظمة العربية لبعضها البعض، بإنكفاء كل دولة على نفسها، لمواجهة الخطر الداهم.
وتقول الدكتورة رولا دشتي، وهي خبيرة اقتصادية ورائدة في مجال حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين والإصلاح الديمقراطي ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة، لابد أن تعي الدول العربية مابعد كورونا " أنه سيكون قبل الأزمة الاقتصادية هناك أزمة صحية. نحن نتكلم عن القطاع الصحي الذي يعد جزءا كبيرا من القطاع الاقتصادي. هذا القطاع ليس مؤهلا كفاية لمواجهة الأزمة الصحية التي تعاني منها المنطقة " وإن شاء الله نتخطاها بأقل خسائر بشرية ممكنة، إلى هنا أنتهى كلام رولا شتي.
فمع هذا الوباء أصبح لا شيء مقدس، فمنذ نهاية الحرب الباردة 1990، بانهيار الإتحاد السوفيتي ودول الكتلة الشرقية، تحرك العالم بشعور متزايد من العولمة والترابط، وانتقلت ريادة العالم للولايات المتحدة الأمريكية، ككيان قوي اقتصاديا وسياسا حافظ على ترابطه بعد الحرب العالمية الثانية، ليقوم بدور شرطي العالم، وخلال الــ 30 عاما الماضية، أصبح هناك حراكا سياسيا في السنوات الأخيرة، ليضع أمام هذا النظام العالمي عديد من الأسئلة عن هوية العالم مستقبلا، لتأتي صدمة فيروس كورونا، لتحدث صدمة سياسية عنيفة، وأصبح لا شيء مقدس في النظام العالمي الجديد. وباتت اقتصادات العالم بأكملها على المحك، ووجدت الحكومات نفسها أمام شلل تام، لكل مناحي الحياة إلى أجل غير مسمى، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بما ينتظرنا على الطرف الآخر بعد انتهاء هذا الوباء.
وتبقى منطقتنا العربية هي الأهم بالنسبة لنا كشعوب، فيما تبقى منطقة الخليج العربية الأهم للعالم، لسيطرتها على احتياطيات النفط العالمي بنسبة 70 % ، ولايخفى على أحد حالة التشرذم التي هي عليها الآن، وسط خلافات حادة، لم تنظر أيا من حكوماتها في امكانية التخلص منها، وفتح صفحة جديدة انتظارا، لما بعد جائحة كورونا، ويبدو أن الدول العربية عامة ستعود وتقع في فخ ما بعد الحرب العالمية الثانية، بعدما تمكنت مجموعة من الدول ذات إيديولوجيات مختلفة ووجهات نظر عالمية مختلفة من بناء نظام عالمي أبقانا خاليين من الحرب المباشرة بين القوى الكبرى لمدة 75 عامًا، كان العرب هم الخاسرون الوحيدون خلال هذه العقود بتقسيم فلسطين ومن ثم ضياعها كليا.
وعندما ينتهي فيروس كورونا، ستكون هناك حاجة إلى جهد ضخم لإعادة تأسيس نظام عالمي مستقر. السؤال هل القادة العرب مستعدون لهذه المهمة ؟. فهم خاضوا تجربة " نظام عالمي ثنائي وأحادي القطب "، قبل وبعد عام 1990، ورغم الخسائر التي تكبدها العرب اقتصاديا وسياسيا وبقائهم على الهامش فكل قضاياهم كان يقررها غيرهم، ونحن لهم تابعون، خاصة بعد بلورة النظام العالمي الجديد، بنهاية الحرب الباردة واستفراد أمريكا بالعالم، ووضح من سياستها أنها لم تحاول أي محاولة جادة لتشكيل نظام دولي مستقر على الإطلاق. وبدلاً من ذلك، سمحت الولايات المتحدة بقوة لقوى الرأسمالية العالمية والعولمة المفرطة بالانتشار في جميع أنحاء العالم ، واثقة من أن التاريخ إلى جانبها، وجعلت من إسرائيل شرطي منطقة الشرق الأوسط والعصا الغليطة التي تخيف بها العرب، لتصل إلى نهاية المسرحية، بالكشف عن ما يسمى بــ " صفقة القرن " وفرضها فرضا على العرب، ورأينا ثقة ترامب وبجانبه نتنياهو وهما يعلنان عن تصفية القضية الفلسطينية بنهاية العام الماضي، وسط غياب عربي كامل.
وبعد كل ما سبق، جاءت الفرصة للعرب من جديد، ليجدوا مكانا لهم تحت الشمس في تشكيل نظام عالمي جديد ما بعد كورونا، وربما يمكن تسميته " عالم كورونا"، وما يزيد فرصة العرب في أن يجدوا لأنفسهم موطئ قدم في " نظام كورونا الجديد " هو تحفز كل من روسيا والصين وإيران وتركيا، بحثا عن وجود لهم تحت الشمس، خاصة أنهم جميعا مؤمنون بحقوق الشعب الفلسطيني والعرب العادلة، التي داست عليها امريكا طوال 75 عاما، ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهاهي الفرصة أتت للجميع والمرمى خالي، وكلنا نرى أمريكا تتلقى المساعدات من دول ماكانت تُعيرها أدنى اهتمام في السابق، بعدما وضع كورونا الجميع في صف واحد سواسية.
وعلينا أن نقر أن مهمة العرب ليست سهلة، مابعد كورونا، وليس أمامهم سوى غلق صفحة ما قبل كورونا، والعمل على البناء من جديد الآن وعاجلا وليس اجلا، ليكونوا في وضع استعداد، لركوب القطار مبكرا في " نظام كورونا العالمي الجديد "، الذي بدأ في التبلور بالفعل، وبدأت أنظمة الصين وروسيا وإيران وتركيا بالفعل في جمع متاعهم إنتظارا للسفينة التي ستفرغ حمولة 75 عاما مضت، وتبدأ في تحميل حمولة ما بعد كورونا، ويبدو أن " رئيسة مجلس النواب الأمريكي الديمقراطية نانسي بيلوسي، التي مزقت خطاب ترامب وألقت به في وجهه " ، كان بمثابة نهاية نظام عالمي جائر ترأسته أمريكا،.أصحوا ياعرب ولاتفوتوا الفرصة فلن تأتي ثانية، وقبل أن يصحوا عليهم أن يؤمنوا بقدراتهم أولا والأسلحة التي يملكونها.